باسم فرات: «جائزة قابوس» إصرار على الكتابة

يسير على مبدأ أن المبدع لا يستعير حنجرة الآخرين

نشر في 06-01-2020
آخر تحديث 06-01-2020 | 00:03
بين كتابة الشعر وأدب الرحلات تمضي مسيرة الشاعر والأديب العراقي باسم فرات، الذي أصدر حتى الآن تسع مجموعات شعريَّة، وخمسة كتب في أدب الرحلات، وكتاب سيرةٍ، وفاز بثلاث جوائز، آخرها جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب.
وفي حوار مع "الجريدة"، كشف فرات عن التزامه مبدأ في القراءة والكتابة مَبنيٍّاً على أن يكون المبدع هو نفسه، ولا يستعير حنجرة الآخرين، مبيناً انه تبنى هذا الالتزام منذ بداياته المبكرة في الكتابة،... وفيما يلي تفاصيل الحوار:
● بعد تسع مجموعات شعريَّة، أمازلتَ تراهن على الشِّعر؟ وهل استطاع الإجابة عن جغرافيَّة الوطن المغيَّب؟

- الشعر همِّي الأول، وهوسي، وجنوني، ووطني، وإخلاصي له لا يمكن أنْ يتزعزع، ولا أبغي منه شيئًا، فالشِّعر له الحقُّ أنْ أكرِّس له حياتي، ولأنِّي أعيش الشِّعر وأتنفسه، ومتفرغٌّ له تمامًا، استطعتُ أنْ أنجز تسع مجموعات شعريَّة على امتداد مسيرتي الشِّعرية، والتي هي حياتي نفسها، فأنا أحبُّ الشِّعر وهو رفيق حياتي، إذ إنَّ محاولاتي الأولى كانت مبكِّرة جداً، وفي العاشرة من عمري، سألتُ ابن عمَّتي، والذي يكبرني بعدة أعوام، وكان هو وشقيقه شاعرين، فقلتُ له: أريد أنْ أصبح شاعراً، وأنا أستشهد بهذه الحادثة لأوضح عمق علاقتي بالشِّعر، وَهَوَسي به، والشِّعر قد كرّسْتُ له حياتي، وبعد أنْ تجاوزتُ الأربعين بدأتُ العناية بكتابة المقالات وأدب الرحلات، وأقول هنا إن الشعر منحني حياةً مختلفةً، والترحال منحني حيوات عديدة، وفهماً مختلفاً لكلِّ شيءٍ.

«هنا وهناك»

● حقَّقتْ مجموعتك الشِّعريَّة الأولى بالإنكليزيَّة "هنا وهناك" نجاحاً طيِّباً، وكتبت عنه العديد من الدِّراسات بالانكليزيَّة، هل ترى أنَّ نشاطك الكتابيّ محدَّدٌ في الشِّعر؟

- كانتْ مجموعتي الشِّعريَّة الأولى بالإنكليزية "هنا وهناك" الكتاب الأول الذي يصدر في نيوزيلندا مترجماً من العربية، ولاقى صدى طيباً، أمَّا فيما يخصُّ نشاطي الكتابيّ، نعم، كان محدَّدًا بالشِّعر حتَّى عام 2008. ولكن بعد ذلك ولا سيما بعد وصولي إلى الإكوادور أصبحتُ أعتني بتدوين رحلاتي، وجاءتْ هذه العناية نتيجة إلحاح الأصدقاء، أمَّا الكتابة الشِّعريَّة فقد أخذتْ منحىً مختلفًا نتيجة الترحال والاحتكاك بثقافات عديدة، وهذا أمرٌ إيجابيٌّ بلا أدنى شك.

«خريف المآذن»

● تتناول في دواوينك أحداثاً لها علاقة مباشرة بالواقع وبالتَّحوُّلات التي يمرُّ بها الأشخاص من تجارب معقَّدة، وكان ذلك واضحاً في ديوانك الثَّاني "خريف المآذن"، والذي حقَّق نجاحاً وإقبالاً وعنايةً من النُّقَّاد والشُّعراء؟

- مجموعة "خريف المآذن" هي مرثية طويلة لما آل إليه وضع العراق تحت الاستبداد والطغيان والحروب والحصار، فضلاً عن تجاربي في المنفى، ولهذا وجدتْ صدى طيبًا في التَّلقي حتى كُتب عنها ما يقارب ستين مقالة ودراسة وقراءة، وهذا رقم كبير بالنسبة إلى شاعرٍ منفيٍّ في أقصى الأرض، لا مناصب له، ولا تأثير اجتماعي وغير ذلك.

عصر الرواية

● من وجهة نظرك، هل تراجع الشِّعر أمام الحضور الكبير للرِّواية؟

- الشِّعر لم يعد ديوان العرب الأوَّل، فليستْ الرِّواية فقط ما سحب البساط من تحت أقدام الشِّعر، بل القصَّة والمسرحيَّة والسِّينما والفنُّ التَّشكيليّ، وأعتقد أنَّ وجود جوائز كبيرة للرِّواية جعل كثيراً من الناس تكتبها، أملاً في جائزة تكون قيمتها المادِّيَّة عونًا لهم على متطلَّبات الحياة الصَّعبة، ومجيء دور النَّشر لهم عوضاً عن ركضهم ولهاثهم خلف النَّاشرين ودفع ثمن الطَّبع، وهو ما يوجع الكاتب، ولو جعلوا جائزة كبرى مثل البوكر للشِّعر فسنجد ملايين يكتبون الشِّعر من أجل الحصول على الجائزة، لكن بينهم جميعاً يبقى الإبداع الحقيقيّ الذي يستمر، والمبدع الحقيقيّ هو الذي يرفد المكتبة العربيّة بروائعه، وهذا المبدع قد تنصفه الجوائز، وقد لا تنصفه الجوائز ولا النُّقَّاد.

أدب الرحلات

● تناولتْ كتاباتك في أدب الرِّحلات الأحداث والأماكن والتَّاريخ وسلوكيات المجتمعات وعاداتها، وهو ما نراه في كتبك الخمسة في أدب الرِّحلات التي نلتْ عنها جائزة السُّلطان قابوس التَّقديريَّة للثَّقافة والفنون والآداب، "في مجال الأدب"، وهذا يعني أنَّ لديك عيناً راصدة، هل يمكنك توضيح عنايتك بهذه التَّفاصيل؟

- أنا شاعرٌ قبل كلِّ شيءٍ، ثمَّ احترفتُ العمل في مجال التَّصوير الضَّوئيّ (الفوتوغراف)، وعملي لسنوات طويلة في مجال التصوير منحني قدرة على اقتناص المهمل والمهمش، وهذا ما لاحظه نقَّاد حين كتبوا عن تأثير حرفة التَّصوير الفوتوغرافيّ على شعري، مثلما لاحظته من خلال أحاديثي مع كثير من الأصدقاء الذين زاروا أماكن زرتها فوجدتني أتكلَّم عن التقاطات لم تخطر لهم ببالٍ، بل حتَّى على مستوى القراءة، ووجدتني التقطتُ نقاطًا ذات قيمةٍ أشار إليها الكاتب أو تناولها، ولكنَّها لم تحظ بعناية كثير من القرَّاء والأصدقاء، فأنا شخصيًّا لي ولعٌ بمعرفة ثقافات الشُّعوب وعلى الهوامش والأطراف، سكانًا وبلدانًا وأحياء ومدنًا وأريافًا وعقائد ولغات وفنونًا شتَّى، وهذا الولع ربما كرَّسني للحصول على ثلاث جوائز في أدب الرحلات خلال 6 أعوام، وهو ما لم يحدث في الثقافة العربية بحسب علمي، أي أنَّني أوَّل شاعر وكاتب يحقِّق هذا، وطبعًا كانتْ جائزة السلطان قابوس للثَّقافة والفنون والأداب تتويجًا لمسيرتي في أدب الرحلات.

نص مختزل

● تتميَّز قصائدك الشِّعريَّة ببراعة بناء الصُّورة الشِّعريَّة، كيف تتولَّد لديك هذه الصُّورة السَّاحرة في نصِّك المختزل؟

- لا أدري إذا كانتْ قصائدي لديها هذه البراعة والسِّحر، أم لا، لكنِّي أحاول أنْ أكتب قصيدة تشبهني، قصيدة فيها الحسّ الإنسانيّ لا يقتل الشِّعريَّة في النَّصِّ، وألا تكون العناية بشعريَّة النَّصِّ على حساب الإنسانيّ، مثلما أحاول – ولكلِّ مجتهد نصيب – كما تقول العرب، أنْ أنقذ قصيدتي من المباشرة ومن الغموض غير المبرر، واللعب باللغة الذي يجعل القارئ يخرج بعد قراءته للقصيدة وهو لا يدري ما هي الرسالة التي يريد الشَّاعر أنْ يوصلها.

مواصلة الكتابة

● ماذا يعني لك الفوز بجائزة قابوس؟

- الفوز أخيراً بجائزة السُّلطان قابوس للثَّقافة والفنون والآداب منحني إصراراً على مواصلة الكتابة وإنجاز كتبٍ كثيرة، بعضها كتبت فيها عشرات الملاحظات ورؤوس الأقلام، والتي لا تحتاج منِّي إلَّا التفرُّغ ربمَّا لا يزيد على الشَّهر وبعضها على ثلاثة أشهر وتكون جاهزة، راجيًا أنْ أوفَّق بإصدار كتابي السَّادس في أدب الرحلات خلال العام القادم، وكتب أخرى خلال الأعوام القليلة القادمة، مع مواصلة مشروعي الشِّعريّ، والذي كان آخر نتاج لي هو مجموعتي الشِّعريَّة التاسعة "مبكّرًا في صباح بعيد" التي صدرت عن الهيئة المصريَّة العامَّة للكتاب في آخر يوم من شهر أكتوبر الماضي.

مجموعتي الشِّعريَّة الأولى بالإنكليزية "هنا وهناك" الكتاب الأول الذي يصدر في نيوزيلندا مترجماً

أدري إن كانتْ قصائدي لديها البراعة والسِّحر لكنِّي أحاول أنْ أكتب قصيدة تشبهني
back to top