إيران من الخارج (2-2)

نشر في 05-01-2020
آخر تحديث 05-01-2020 | 00:10
 محمد أحمد المجرن الرومي في إشارة إلى الحلقة الأولى من هذا المقال، والذي ينتهي بتساؤل ما الحل للوضع في إيران؟ وكيف تستطيع أن تتعامل مع جيرانها ومع العالم الخارجي؟ لا شك أن إيران دولة كبيرة المساحة، إذ تبلغ مساحتها مليونا ونصف المليون كيلو متر مربع، ويبلغ عدد سكانها نحو اثنين وثمانين مليون نسمة، وغنية بالثروات، وأولها الثروة البشرية التي تتألف من العلماء والمفكرين والأدباء والمثقفين والفنانين من الجنسين.

وكذلك لدى إيران ثروات طبيعية منها البترول والغاز، وتعتبر من كبرى الدول المصدرة للبترول والغاز، بالإضافة إلى وجود المعادن الأخرى، وكذلك الثروة الزراعية، ووجود الأنهار وهي العنصر الأساسي للحياة، بالإضافة الى موقعها الجغرافي الاستراتيجي وإطلالتها على ثلاثة مسطحات مائية مهمة، وهي الخليج العربي وبحر العرب وبحر قزوين.

ولديها ثروة ثقافية كبيرة ومتنوعة نظراً لتركيبة السكان المختلفة، ووجود قوميات ولغات كثيرة ينتج عنها ثقافات وعادات متعددة، خاصة أن القوميات تتوزع على أنحاء إيران، فعدد الفرس يمثل نحو ٦١ في المئة، والبقية تتوزع على الأذريين والأكراد والعرب والبلوش والآريين البختياريين والتركمان وغيرهم، فالثروات الطبيعية التي حباها الله لإيران بالاضافة إلى الثروة البشرية تتوزع بين القوميات، وهي ثروة قومية وثقافية واقتصادية.

إذاً ما المشكلة في إيران بشأن تعاملها وعلاقاتها مع العالم الذي بدأ يتقهقر ويتراجع ويضعف، مع وجود الثروات السابق الإشارة إليها؟ في نظري السبب يرجع إلى أنها تريد نشر وفرض أفكار ومبادئ الثورة الإيرانية في الخارج، والدول والشعوب الأخرى لا تريد استيراد أفكار ومبادئ من الخارج، ولذلك أخذت إيران، لتنفيذ هذه السياسة، تستخدم ثرواتها في سبيل نشر هذه الأفكار.

كان التدخل في الشؤون الداخلية هو أحد أهدافها، ففي لبنان كان التدخل الأول بعد قيام الثورة في إيران، وساهمت وساندت أحد الأحزاب السياسية ماليا وسياسيا وفكريا، وبعد ذلك اتجهت إلى باقي الدول القريبة لخلق الولاءات والتدخل في شؤونها الداخلية، وتشجيع الاضطرابات كما حصل في مملكة البحرين وإنشاء الخلايا في الدول الخليجية التي تنفذ السياسة الإيرانية في المنطقة.

وبعد فترة ازداد تدخلها، ولم يقتصر على الدعم المالي أو الفكري أو السياسي، بل تعداه للتدخل العسكري، وهذا كان واضحا في سورية التي اكتوت بحرب مدمرة راح ضحيتها مئات الآلاف من القتلى والجرحى والمهجرين، وحل الدمار والتخريب في سورية.

وبعد سقوط وانهيار حكم البعث بقيادة صدام حسين، والفراغ السياسي الذي نتج عن ذلك، وقيام الحاكم العسكري الأميركي الجنرال بريمر بحل الجيش والقوات المسلحة وانتشار الفوضى والفراغ السياسي، كل ذلك شجع إيران الجارة للعراق كي تبسط نفوذها داخله، وأيضاً لتحقق على الواقع مبادئ الثورة الإيرانية، وظهرت تصريحات رسمية بأن إيران تسيطر على أجزاء مهمة من الدول العربية.

لم تكتف إيران بذلك، فاتجهت غربا ناحية البحر الأحمر، حيث يقع اليمن المجاور لدولة عربية كبرى هي المملكة العربية السعودية، وساندت الجماعات الموالية لها لغرضين: أولاً أن يكون لها موطئ قدم على البحر الأحمر، وثانياً أن تستخدم اليمن مكان انطلاق لزعزعة أمن واستقرار المملكة العربية السعودية.

كل هذه التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية لبعض الدول العربية وغيرها والأموال الكثيرة التي صرفتها لنشر أفكار ومبادئ الثورة الإيرانية والتي كانت على حساب ثروات الشعب الإيراني، هل حققت أهدافها؟

إذاً ما الحل؟ الحل يكمن في أن تعيد إيران حساباتها في التعامل مع جيرانها ومع دول العالم الأخرى، وهي ليست صعبة، وستحل المشاكل الاقتصادية للشعب الإيراني وستساهم في خلق دور إيجابي وقبول إيران كعضو فاعل في المجتمع الدولي وهي:

أولاً، أن تبني إيران جسورا للتعاون، وخلق الثقة مع جيرانها (في الدرجة الأولى مع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية) وكذلك بقية دول العالم.

ثانياً، أن تحترم المواثيق الدولية وتحترم وتنفذ سياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.

ثالثاً، أن تكفّ عن تصدير أفكارها الثورية للخارج، وتهتم فقط برفاهية ومصالح وتقدم الشعب الإيراني الذي يقع نصفه تحت خط الفقر، وترفع من مستوى دخل الفرد اقتصادياً.

رابعاً، أن تخلق مناخ استقرار آمناً، وتنشئ الصناعات المدنية وغيرها، وتشجع الاستثمار الأجنبي، وخاصة الخليجي، وأن تصدر القوانين المشجعة للاستثمار وحمايته.

خامساً، تفعيل الاتفاقيات الموقعة بين إيران وجيرانها، ومنها الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية والثقافية، وتبادل الزيارات بين الشباب في جميع المجالات وإقامة الأسابيع الثقافية والفنية والتجارية.

وأخيراً، وهذا مهم بأن تأخذ إيران العظة والدروس من الدول الأخرى في العالم التي حاولت أن تصدر أفكارها وسياستها للخارج، أو حاولت أن تتوسع خارج أرضها وتبني إمبراطوريات ولكنها في النهاية فشلت، وهنا أضرب بعض الأمثلة: الإمبراطوريات التي حاولت أن تحكم العالم وتتوسع خارج أرضها كاليابان التي احتلت الكثير من الدول الآسيوية، وأصبحت إمبراطورية يعمل لها حساب بعد الحروب المتعددة التي أنهكتها، وأنهكت اقتصادها، انهارت وتقهقرت حتى عادت لحجمها الطبيعي، واكتفت بأراضيها.

المثال الآخر هو بريطانيا العظمى التي كان يطلق عليها الأرض التي لا تغيب عنها الشمس، عادت لحجمها الطبيعي، وأصبحت الشمس لا تشرق عليها دائما، وخصوصا في فصل الشتاء.

ألمانيا النازية بقيادة أدولف هتلر احتلت مساحات كبيرة من أوروبا وفي النهاية انهزمت وسقطت أفكار النازية.

أين هي المستعمرات الإسبانية والبرتغالية والهولندية والإيطالية والألمانية والروسية؟ كلها فشلت وتقهقرت وعادت كل دولة لحدودها الأصلية، أين الأفكار الشيوعية التي انتشرت بقوة في كثير من دول العالم؟ سقطت مع سقوط الاتحاد السوفياتي.

كل هذه الأيديولوجيات وأفكار الثورات في العالم التي صدرت للخارج نبذتها الشعوب وفشلت، فلتأخذ إيران أيضا العظة والدروس من التاريخ وتطوره، بألا تصدر أفكار الثورة الإيرانية للخارج لأن الدول والشعوب تنبذها ولا تريد أن تستوردها.

على إيران أن تعيد حساباتها وسياستها وأفكارها، وأن تستبدلها بسياسة بناء الجسور والتعاون مع جيرانها، وأن تهتم بالشأن الإيراني الداخلي، وأن تقوم باحترام المواثيق الدولية، واتباع سياسة حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وأن تسخر ثرواتها للشعب الإيراني ورفاهيته والنهوض بمستوى الدخل للإنسان الإيراني، والصرف على التعليم والرعاية الصحية، ومشاريع البنية التحتية للبلاد، والنهوض بالاقتصاد الإيراني، وأن يعيش الشعب الإيراني داخل أرضه بأمن وأمان، وأن تتقدم إيران وتطور علاقاتها مع جميع الدول، بدلا من أن تكون دولة منبوذة ومعزولة دولياً.

وفي النهاية أتمنى أن نرى إيران دولة متطورة وتعيش مع جيرانها بأمن وأمان، ولتعلم أن "أي دولة في العالم تستطيع أن تصدر ثرواتها أما ثوراتها فهي للاستهلاك المحلي".

back to top