الولايات المتحدة تفشل لأنها لا تعرف ما تريده!

نشر في 02-01-2020
آخر تحديث 02-01-2020 | 00:00
 ذي ناشيونال وفق الأفكار الشائعة، يقال إن الولايات المتحدة تتخبط في خضم محاولاتها تجاوز دورها التقليدي كقائدة للشرق الأوسط، لكن إذا كانت هذه الفرضية صحيحة، فما سبب تعثرها؟

توسعت الولايات المتحدة بدرجة فائقة تاريخياً ثم نشأ عالم متعدد الأقطاب بعدما كان ثنائي القطب خلال الحرب الباردة، وبالتالي لم نشهد "نهاية تاريخية" لعالم خيالي وأحادي الجانب. تسجّل الولايات المتحدة إذاً تراجعاً نسبياً منذ فترة، لكنها تتراجع من مكانة تم تضخيمها بشدة وتبدو غريبة تاريخياً وغير قابلة للاستمرار.

لكن كانت أبرز خاصية في هذا التراجع اختيارية، أو راسخة على الأقل ضمن الديمقراطية الأميركية، ثم عادت وظهرت في التخبط الأميركي في ساحات دولية أساسية أخرى، على غرار شبه الجزيرة الكورية.

فيما يخص الشرق الأوسط، يسهل أن نتساءل: كيف تحوّل الاتحاد الروسي الضعيف نسبياً إلى صانع قرار نافذ وصديق للجميع في المنطقة، في حين تصرّ الولايات المتحدة القوية نسبياً على تهميش نفسها هناك؟ عملياً، تعرف روسيا ما تريده وتجيد تحديد أهدافها الضيقة وتتحرك بكل حزم لضمان مصالحها الخاصة، أما الولايات المتحدة، فلا تقوم بأي من هذه الخطوات.

من الواضح أن الولايات المتحدة، كنظام ديمقراطي، باتت عالقة في صراعات حتمية بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، أو بين الليبراليين والمحافظين، أو حتى بين مؤيدي الانفتاح على العالم والانعزاليين، وهذه المشكلة صحيحة ويطرح صعود الانعزاليين الجدد في عهد ترامب تحدياً صعباً على الالتزامات الأميركية العالمية، لكن تبقى المشكلة الكبرى أعمق بكثير! في أي إدارة أو جماعة، نادراً ما تسود فكرة واضحة ومتماسكة ومشتركة حول الهدف السياسي وراء عدد كبير من التدخلات الدبلوماسية أو العسكرية الحتمية. وفي ظل غياب أي خطاب مقبول على نطاق واسع ومدعوم من الحزبَين الأميركيَين معاً، كما حصل خلال الحرب الباردة أو عند تحديد عدو خطير وواضح مثل الاتحاد السوفياتي، يجد النظام الأميركي القائم صعوبة كبرى في توحيد الأهداف.

تعود هذه الأزمة في الأساس إلى حقبة كارثية من غياب التماسك بين الحربَين العالميتَين، حيث استُعمِل أيضاً شعار "أميركا أولاً".

هذه المشكلة دائمة في مختلف الإدارات في واشنطن، فبعد صراع داخلي طويل، قررت إدارة بوش غزو العراق، وفي تلك الفترة تعددت الأسباب التي تبرر ذلك التحرك، لكن لم يتفق كبار مؤيدي القرار على الأولويات المرتقبة، ونتيجةً لذلك فشلت الولايات المتحدة طبعاً في العراق، ولم تتفق يوماً على تحركاتها، ولم يُستعمَل أي مقياس مقبول على نطاق واسع لتقييم معنى النجاح أو الفشل، نظراً إلى غياب أي معيار متفق عليه لإصدار أحكام مماثلة. لهذا السبب، كان الفشل مؤكداً.

استمرت هذه المشكلة حتى اليوم، إذ يطبّق ترامب مجموعة واحدة من السياسات في سورية والعراق وإيران وأوكرانيا، مع أن عدداً كبيراً من أبرز المسؤولين في إدارته وفي الجيش ينظر إلى الوضع بطريقة مختلفة جداً، وهذا ما أثبتته إجراءات عزل الرئيس، فيما يخص ترامب على الأقل، فهو لا يستطيع ترك بصمته في الإدارة الأميركية لأنه لا يثق أصلاً بما يريد فعله غداً ولا يعرف كيفية الدفاع عن رغباته المستقبلية، وحتى لو كان يعرف ما يريده أحياناً، ماذا عن الآخرين؟

لنقارن هذا الوضع بروسيا في عهد فلاديمير بوتين أو الصين بقيادة شي جين بينغ، يُقال عموماً إننا لا نستطيع تحقيق أهدافنا قبل أن نحدد تلك الأهداف، في السياسة الخارجية الأميركية، تعكس هذه المقولة اليوم معضلة عقيمة، فلا تستطيع الولايات المتحدة أن تحقق أي نجاح في سياستها الخارجية أو تعترف بنجاح مماثل لأنها لا تملك أي تعريف مشترك لمعنى النجاح!

* "حسين إيبش "

back to top