خاص

حسن النوّاب لـ الجريدة•: أكتبُ لأطرد فكرة الانتحار من رأسي!

روايته «ضحكة الكوكوبارا» فازت بجائزة الطيّب صالح

نشر في 13-12-2019
آخر تحديث 13-12-2019 | 00:00
تنطلق تجربة الشاعر والروائي العراقي حسن النوَّاب من ذكريات مريرة خاضها في بلاده أثناء سنوات الحرب، قبل أن يهاجر بعيداً وتستقر به الحال في أستراليا، ويكتب رائعته «ضحكة الكوكوبارا»، التي حصدت جائزة الطيب صالح لعام 2019، ويفضح من خلالها دموية الطاغية صدام حسين منذ حقبة الثمانينيات وما تلاها من توابع، وهي الرواية التي ستصدر عن الجائزة قريباً.
ولا ينسى النوَّاب كيف كتب قصيدة في خنادق الموت، ثم تدفقت إبداعاته من منجم النار، ولا يزال يخايله مشهد الموت، حتى إنه يقول، في هذا الحوار الذي أجرته معه «الجريدة» من القاهرة، إنه يكتب ليطرد فكرة الانتحار من رأسه! وفيما يلي نص الحوار:
* هاجرت من العراق إلى الأردن، ثم استقرت بك الحال في أستراليا قبل ١٨ عاماً.. هل انعكست هذه البيئات/ الثقافات المختلفة على تجربتك الإبداعية؟

- أمضيتُ أكثر من عشر سنوات أتأمَّلُ الواقع الأسترالي بشتى صنوفه وغرابته، كنتُ في حينها أسعى إلى إتقان اللغة الإنكليزية، والتعرَّف عن كثب على الأبواب الخلفية من عوالم المشردين والصعاليك الذين تراهم في الحدائق والساحات العامة؛ ولم أتعجَّل التدوين، حتى اكتسبتُ معرفة شاملة بما يحيط بغربتي النازفة دمعاً على وطني، بعدها انطلقتُ بثقة لأقرأ نصوصي مع أدباء أستراليا، حيث نتجمَّع كل سبت في مقهى القمر، لكنني اكتشفتُ أنَّ تجربتي أقسى وأشدَّ التصاقاً بالألم منهم، وحدها الحروب التي خضتها بحاجة إلى سنوات إضافية حتى أفرغ من تدوينها، لذا لجأتُ إلى العزلة، منصرفاً طوال الوقت للكتابة، فلديَّ ذخيرة من الذكريات المريرة تملأُ منجماً من الورق.

صرخة المُهاجِر

* روايتك الفائزة بجائزة الطيب صالح "ضحكة الكوكوبارا".. حدثنا عنها وعنوانها الغريب.. وكيف استفدت من خبراتك ومعاناتك السابقة في الحروب في كتابة هذا العمل؟

- روايتي هي صرخة المُهاجِر بوجه بلادٍ اغتالتْ أحلامه البسيطة، ولم تنصف نزف دمه وهلعه على سواتر الحرب، وحكاية الألم والهوان والفجيعة من مواطن أعزل يفضح في فصولها دمويَّة الطاغية، ومن جاء بعده من اللصوص، لقد استعرتُ طائر الكوكوبارا الشهير في أستراليا عنوانا للرواية، فهذا الطائر يمتلك تغريدة غريبة تشبه ضحكة إنسان مضطهد، يطلقها عند الفجر ومع غروب الشمس، وعلى تغريدته الصادحة تستيقظ الناس وتنام أيضاً، كأنَّه إشارة سماوية تحمل كثيراً من الأسئلة والأسرار، لكنّ الغريب أنَّ الأدباء في أستراليا لم ينتبهوا إلى توظيف هذا الطائر العجيب في نصوصهم السردية، مع أنهم يسمعون تغريدته الساحرة في كل يوم مرتين، صحيح أنَّ هناك أشهر أغنية للأطفال في هذه القارَّة تحمل اسم طائر الكوكوبارا، وقد استخدم كتعويذة مقترحة في أولمبياد سيدني، لكنّ تركيبة هذا الطائر وضحكته الساخرة لم تدخل في أي متن سردي، رواية "ضحكة الكوكوبارا" لغز موجع ومثير ومبهم يرغم القارئ على مواصلة قراءة صفحات الرواية حتى آخر سطر.

ظلم نفسي

* ما منطلقاتك العامة في الكتابة... بمعنى آخر ما الذي يستفزك لتكتب عنه؟

- الظلم والألم واليأس ثلاثية تستفزني بالكتابة دائما، حتى ظلم نفسي لنفسي، ولولا الظلم المهيمن على البشرية المعدمة، لما قرأنا نصوصاً مذهلة لدوستويفسكي وغوركي وعبدالرحمن منيف، وحتى آخر كاتب ظهر على الساحة الأدبية، وحدها الآلام الفظيعة تصنع كاتباً عظيماً.

العمل الصحافي

* اشتغلت بالصحافة منذ عام 1991، إلى أيّ مدى أفادتك الصحافة كفنّ على مستوى النص الأدبي؟

- كتبتُ نصوصي قبل انخراطي بالعمل الصحافي، كان ذلك في مطلع حقبة الثمانينيات من القرن الماضي، حين دخلت إلى الحرب مرغماً كسائق دبَّابة، ومن خنادق الموت وعلى ضوء فانوس تجلَّتْ في ليل جبهة الحرب أول قصيدة لي بعنوان "موَّال القرى"، لم أصدّق أنَّ جريدة العراق نشرتها بعد أسابيع، كنتُ فرحاً بالمكافأة الزهيدة التي حصلت عليها عند نزولي في إجازة من سواتر الجحيم، ثمَّ تدفَّقتْ قصائدي من منجم النار، حتى أذكر أني كتبتُ مسرحية للأطفال خلال نوبة حراستي على برج دبابة وفي ظهيرة من شهر يوليو الماطر جمراً، وبرغم وابل القصف فوق رأسي، فإنَّ الصحافة منحتني ثقة أكبر وتجربة أعمق، لقد كنتُ أكتب النص عشرات المرات فيما مضى، بينما الآن أنتهي منه دفعة واحدة، وذلك بفضل ممارستي الطويلة في معترك الصحافة.

رب العائلة

* مع تنامي عدد الكتّاب العرب الذين يكتبون "القصة القصيرة جدا" وتحقيقها أصداء جيّدة لدى القراء، هل تعتقد أن هذا الجنس الأدبي سيكون أبرز منافس للرواية التي تتسيَّد المشهد حالياً؟

- ليس هناك أوجه للمقارنة بين الرواية والأجناس الإبداعية الأخرى، وليس القصة القصيرة جداً فحسب، ذلك أنَّ السرد الروائي أشبه بربِّ العائلة في أي منزل، أو شجرة وارفة؛ أغصانها هي الأجناس الكتابية الأخرى، وما القصة القصيرة جداً إلاّ برعماً صغيراً في غصن من هذه الشجرة العملاقة.

النصوص الإبداعية

* ثمة انتقادات كثيرة للنقد الذي لم يعد مواكباً لحركة الإبداع عربياً... هل تتفق مع وجهة النظر تلك؟

- المبدعون الأصلاء ليسوا بحاجة إلى تزكية نصوصهم من الآخرين، بما في ذلك النقَّاد، وكل كاتب يعوّل على النقد أرتابُ من موهبته، النصوص الإبداعية أشبه بالأنهار التي تصل إلى أبعد قرية بهدوء ومن دون ضجيج وافتعال.

شبح الموت

* ماذا عن مشاريعك الأدبية حالياً؟

- ليست عندي مشاريع أدبية في الكتابة، الذي أفعله أني أكتب دائماً لأطرد فكرة الانتحار عن رأسي، جميع النصوص التي كتبتها هي صفعات متتالية إلى شبح الموت الذي يلاحقني كأنفاسي، ولذا تجدني أكتب المقال والقصيدة والرواية والتحقيق الصحافي والمسرحية. في الواقع كل تدويناتي تحدث تحت هاجس غريب ونداء غامض ولذيذ يدعوني إلى ترك سريري والجلوس أمام الحاسوب، ولذا لا وقت ولا مكان محدَّد عندي للكتابة، أحياناً أكتب في حديقة أو في حافلة أو في طائرة أو في حانة، وحتى وسط ضجيج عائلتي بوسعي التدوين، عندما أبدأ في الكتابة ليس ثمة مانع يقف أمامي، كأني بركان ينفجر بغتةً بوقت غير معلوم.

قصائدي تجلّتْ في خنادق الموت وتدفقت من منجم النار
back to top