مدني ومالكي ناقشا الفكر العربي وآفاق التجديد والتحوّلات

في محور نقاشات اليوم الأول من أعمال مؤتمر «فكر 17»

نشر في 05-12-2019
آخر تحديث 05-12-2019 | 00:00
المحاضرون خلال الجلسة
المحاضرون خلال الجلسة
انطلقت أعمال المؤتمر السنوي لمؤسسة الفكر العربي "فكر 17"، بالشراكة مع مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي "إثراء"، بجلسة افتتاحية تمحورت حول "الفكر العربي وآفاق التجديد".
تمحورت الجلسة الافتتاحية للمؤتمر السنوي لمؤسسة الفكر العربي، حول "الفكر العربي وآفاق التحدي" حول رسم الإطار العام لمداخلات المؤتمر ومناقشاته، من خلال تشخيص حالة الفكر العربي المعاصر، واستخلاص سماته العامة، والإضاءة على أبرز تيّاراته وإشكاليّاته.

وقدّم الجلسة الإعلامي محمود الورواري، وشارك فيها الأمين العام السابق لمنظّمة التعاون الإسلامي إياد مدني، ووزير الثقافة سابقاً وأستاذ علم نفس الإبداع د. شاكر عبدالحميد، وأستاذ القانون الدستوري في جامعة السلطان قابوس د. امحمد مالكي.

بدايةً قدّم مدني مداخلة سعى فيها إلى استقصاء الجانب السياسي لما يتم الحديث عنه، والحاجة إلى معرفة مفهوم "النحو" الذي يتصدر عنوان المؤتمر "نحو فكر عربي جديد"، ورأى أنّ الحلّ يكمن في الفكر الليبرالي الديمقراطي، والقناعة بأنّ الإسلام هو الحلّ، معتبراً أنّ الليبرالية الديمقراطية هي منظور سياسي أوروبي غربي بامتياز، وأنّ بعض المفكّرين العرب ارتبطوا بالمذاهب الفلسفية المعاصرة التي نشأت في الغرب الأوروبي، ولم يستطيعوا وضع الأسس لمدرسة فلسفية عربية تنتمي إلى المذاهب التي تحمّسوا لها. وقسّم المسار السياسي لمعظم دول العالم الثالث إلى ثلاث مراحل: مرحلة حركات التحرّر والاستقلال، والمرحلة التي أعقبت مرحلة النشوة بالاستقلال، ومرحلة واقع الحال في ظلّ العولمة.

المجتمع المدني

وختم مدني مداخلته قائلاً: "متى ما نما المجتمع المدني، وبسقت مؤسّساته، أمكن للاجتهادات الفكرية أن تجد المناخ الملائم لتبين السمات الاجتماعية، والمحطات التاريخية، والخصوصيات الثقافية التي تميزنا كعرب، وكيف يمكن أن ننسج منها فكراً سياسياً يخصنا، ويحول دون ذوبان وجودنا في سياق آخر".

ثقافة التكرار

بدوره، قدّم عبدالحميد مداخلة بعنوان "القوقعة واللؤلؤة"، سلّط فيها الضوء على ثقافة التكرار وثقافة الابتكار، معتبراً أنّ حركة الثقافة التي تسير في اتّجاه الانطواء والانغلاق أو الانبساط والانفتاح، تحكمها عوامل داخلية وخارجية كثيرة، منها: هيمنة التراث الانغلاقي، التشكّك في الآخر أو الصدمات الثقافية والحضارية.

وأكّد عبدالحميد أنّ ثقافة القوقعة فردية كانت أم جماعية، هي ثقافة انسحابية في جوهرها، وتُجسّد التكراري الذي يرى البشر والأشياء ويدركها من خلال قسمة ثنائية ضدّية ثابتة: أبيض/ أسود، لافتاً إلى أنّها تجسّد آلية عقلية نمطية جامدة مغلقة تشي بالتصلّب وتعمل ضد الإبداع.

ورأى أنّ ثقافة الابتكار ترتبط بالفضول وحبّ الاستطلاع، وتظهر في الفنّ بشكلٍ واضح، مؤكداً أنّ العقل الابتكاري عقل تفاعلي يرى العناصر كلّها ويدرك كيفية انصهارها في بوتقة واحدة، مشدّداً على ضرورة الابتعاد عن التكرار في الأفكار والرؤى، ملاحظاً عدم وجود مؤسّسات أو مشاريع متخصّصة لتطوير الثقافة وصناعتها.

ودعا إلى البدء بتصميم خريطة ثقافية، وإطلاق مشروعات عربية مشتركة حول الصناعات الثقافية الإبداعية، في مجالات النشر والسينما والفنون التشكيلية والحِرف الشعبية والتراثية وغيرها.

من جانبه، تحدّث مالكي عن النكوص والتراجع في مسيرة الفكر العربي خلال العقود الأخيرة، مشدّداً على اكتشاف العرب المتأخّر لمفاهيم بناء الدولة العصرية وأدواتها المنهجية، من قبيل "الديمقراطية"، و"حقوق الإنسان"، و"المواطنة"، و"شرعية الاختلاف والتنافس"، و"التنمية الإنسانية المستدامة"، والقائمة طويلة من العناوين التي تندرج ضمن منظومة قيم الدولة العصرية الديمقراطية.

وأكّد مالكي في ورقته الحاجة الماسّة إلى إعادة النظر والتفكير في معنى "العروبة"، و"أن يكون الإنسان عربياً". وأوضح عدم كفاية مقوّمات الدين واللغة والتاريخ والجغرافيا لبناء عروبة متماسكة، وفاعلة في العطاء الحضاري الإنساني، مقترحاً أن يُعاد النظر في تحديد معنى العروبة، باعتبارها حاضنة للهوية المشتركة، على أساس جديد هو "المواطنة"، وليس شيئاً آخر، فلكي يعي "العربي" عروبته، ويدافع عنها باقتناع، ويُعزّز من خلالها ولاءه، ويُقوّي رابطته بوطنه وأمّته، يحتاج إلى أن يكون مواطناً كامل المواطنة.

الجلسة الأولى

بعدها عُقدت الجلسة العامّة الأولى تحت عنوان "العالَم اليوم... العالَم غداً: التحوّلات والتحدّيات والرؤى"، قدّم لها أستاذ العلاقات الدولية والوساطة الدولية الدكتور جوزيف مايلا، الذي أوضح أنّ هدف الجلسة هو عرض التحوّلات الكبرى التي يشهدها العالم حالياً، وانعكاساتها والتحدّيات التي تطرحها على مختلف الصعد.

وأكّد أستاذ العلاقات الدولية في المدرسة العليا للعلوم الاقتصادية والتجارية في فرنسا فريدريك تشاريون، التغييرات الكبيرة التي حصلت في البيئة الدولية من خلال ثلاثة مجالات للتنافس الدولي هي: الصراع المادّي الاقتصادي، والساحات السياسية، والتفاعلات الاجتماعية والرمزية.

ونوّه بمركزية العالم العربي في العلاقات الدولية الجديدة، مؤكداً أنّ الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لا يزالان في مركز الصدارة في المنافسة الاستراتيجية الدولية.

ولفت تشاريون إلى الجمود في الواقع العربي على ثلاثة صعد: الاضطرابات الاجتماعية والإحباط، والجمود السياسي، وعدم وجود نفوذ دولي.

ناوكي تاناكا

بدوره، نبّه رئيس مركز الدراسات العامّة الدولية الياباني ناوكي تاناكا، إلى التحوّل لدى مؤيّدي النظام العالمي من قوى عظمى إلى قوى إقليمية، مركّزاً على الدور الرئيس لكل من الولايات المتّحدة الأميركية وروسيا والصين، الذين سيؤدّون دوراً أساسياً في الشرق الأوسط في المستقبل.

من جهته، رأى المدير العام لمعهد جنوب ووسط آسيا السفير حسين حقاني أنّ العالم تغيّر على مدى القرون الثلاثة الماضية، فقد كافح العرب للتعامل مع عالم يسيطر عليه الغرب، إذ تمّ تقسيم التطوّر الفكري العربي بين أولئك الذين يعتنقون أو يرفضون الأفكار الغربية، مشدّدا على زيادة أهمّية آسيا في الوضع الراهن، فالصين والهند ترتفعان اقتصادياً، وأوروبا والولايات المتّحدة لم تعودا مهيمنتين اقتصادياً وعسكرياً. وأكد أنّ الولايات المتّحدة لم تعد مهتمّةً بالعالم العربي بالقدر الذي كانت عليه، ومع ذلك، لم يتغيّر نموذج العالم العربي الذي لا يزال متمحوّراً حول الغرب، ولم يهتم بعد ببروز الصين والهند وتأثيرهما على العالم.

قضيّة فلسطين

ولفت حقّاني إلى سيطرة قضيّة فلسطين على الخطاب السياسي العربي، إذ كانت بمثابة الوحدة العربية، مبيناً أنّ هذه الوحدة تراجعت وأصبحت المصالح القومية ومصالح الدولة أكثر أهمّية.

وأشار الى أنّ معظم العلماء الأميركيين يرون أنّ الفكر العربي راكد ويحتاج إلى الاستعادة، وأنّ تحديد مستقبل العالم العربي سيتمّ من خلال قدرته على إحياء فكرٍ جديد.

back to top