نحو خطاب ديني متصالح مع العالم (15)

نشر في 02-12-2019
آخر تحديث 02-12-2019 | 00:09
 د. عبدالحميد الأنصاري «نحن مستهدفون»

يحكم المناهج الدينية، في غالبيتها، وخطابها الجماهيري الإعلامي، مفهوم بنيوي أساسي، هو أننا "أمة مستهدفة" من قبل العالم، ويكاد هذا المفهوم يشكل عقيدة لدى الغالبية من الجماهير العربية والإسلامية، وكذلك النخب السياسية والثقافية والاجتماعية.

فضلاً عن الفكرين: الديني واليساري، فإن الفكر القومي كله، نشأ وتكون وهيمن على العقل والوجدان الجمعي بهذا المفهوم الحاكم (الأمة العربية مستهدفة دائماً وأبداً) من قبل أعداء أقوياء كثر، لا يريدون لهذه الأمة أن تتوحد وتنهض وتنافس الأمم الأخرى، خشية أن تتضرر مصالحهم.

وإذا كان الفكر القومي يجد شواهده في التاريخ الحديث والمعاصر، في الماضي الاستعماري، الذي جثم على البلاد العربية، واستغل مواردها، ورسم حدودها، وما تبعه من وعد بلفور وزرع إسرائيل، واتفاقية سايس بيكو، والعدوان الثلاثي، وغزو العراق... إلخ (وذلك وهم عريض توارثناه جيلاً بعد آخر، أنا كنا أمة موحدة حتى جاء الاستعمار، وفرقنا تبعاً لمبدأ فرق تسد)، فإن الفكر الديني يؤصل المفهوم رجوعاً إلى البدايات، من مكائد يهود المدينة، مروراً بالفتنة الكبرى التي دبرها اليهودي ابن سبأ، ثم الحروب الصليبية، فيهود الدونمة الذين كانوا وراء سقوط الخلافة العثمانية، فبروتوكولات حكماء صهيون، وأخيراً وليس آخراً، الجماعات الإرهابية: القاعدة، وداعش، وبوكوحرام، وغيرها من صنائع الغرب وأميركا، لتشويه الإسلام واتخاذها ذريعة لمحاربة الإسلام والمسلمين.

يتكئ الرافد الديني على نصوص دينية من القرآن والسنة، فمن القرآن الكريم، يتخذ من الآية الكريمة "ولن ترضى عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتهم"، ومن السنة النبوية، يستشهد بالحديث "يوشك الأمم أن تداعى عليكم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، فقالوا: وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت"، كما يتصيد أقوالاً مسيئة للإسلام، لقادة سياسيين وشخصيات يمينية متطرفة في الساحتين الغربية والأميركية، ويتم تضخيمها، للإيحاء بأنها تمثل موقف المجتمعات الأوروبية والأميركية من الإسلام والمسلمين، كل ذلك لتأكيد ادعاء عداوة الغرب وأميركا لديننا، واستهدافهم لنا، انطلاقاً من النزعة الدينية الصليبية المعادية للإسلام التي ما زالت مترسبة في النفسية الأوروبية حتى اليوم، رغم تظاهرها بالإنسانية وحقوق الإنسان. وحتى يعمق الكراهية في النفسية الإسلامية تجاه الحضارة الغربية، فإن الرافد الديني، لا يقر للغرب بأي تفوق حضاري، وحين يضطر للاعتراف للغرب بتفوقه العلمي والتقني والصناعي، فإنه يرجع الفضل في ذلك إلى علماء الحضارة العربية، الذين أفاد منهم الغرب في تقدمه العلمي والتكنولوجي.

أخيراً: وعندما ضرب الإرهاب أميركا في 11 سبتمبر 2001 دان قسم من الرافد الديني، العمل الإرهابي لكنه حمل أميركا المسؤولية، بسبب ما سماه "السياسة العدوانية لأميركا" وهو خطاب بن لادن نفسه "أن ما حدث في أميركا يعتبر حدثاً طبيعياً نتيجة للسياسات الحمقاء التي تمارسها أميركا في معاداة الإسلام والمسلمين".

أما القسم الآخر من هذا الرافد، وهو الأكثر، فقد أنكر تماماً أن يكون ما حصل، من فعل شبابنا الذين زرعنا الكراهية في أنفسهم، فتطرفوا تمسكاً بمقولة "ما يفعله مسلم!" وبحجة، أن هذا الحدث الكارثي الضخم، أكبر من إمكانات وقدرات بن لادن، وهؤلاء إذ برؤوا القاعدة، لم يكتفوا بذلك، بل اتهموا أميركا، وقالوا: أميركا ضربت نفسها بنفسها، كذريعة للحرب على الإسلام تحت ستار الحرب على الإرهاب! وفرحوا بظهور كتاب لفرنسي مغمور، اسمه تيري ميسان "طواه النسيان لاحقاً"، وترجموه سريعاً، وقاموا بترويجه، كل ذلك لأنه قال: أميركا ضربت نفسها بنفسها، للهيمنة على العالم! وللمقال بقية.

* كاتب قطري

back to top