اغتصاب

نشر في 26-11-2019
آخر تحديث 26-11-2019 | 00:20
 حسن العيسى هي دولة عدوان واغتصاب أراضي الفلسطينيين وتشريدهم، لكن نقول بخجل إن "دولة العصابات الصهيونية"، كما نردد في استعراضاتنا البلاغية بعد كل هزيمة لأنظمتنا، هي أيضاً دولة مؤسسات عامة مجردة، وليست دولة أشخاص طغاة اغتصبوا الحكم، وفرضوا أنفسهم على شعوبهم، ونهبوا حاضر تلك الشعوب ومستقبلها.

كان عنوان مقالة نادية حرحش الفلسطينية في جريدة الرأي اليوم الإلكترونية عدد 25 نوفمبر هكذا "... فساد نتنياهو يجعله نزيهاً بالمقارنة مع فساد سلطتنا". وكتبت مقارنة بين النظام الإسرائيلي وحكومة "أبومازن": "فمنظومة الفساد الخاصة بنا لا يمكن وصفها إلا بـ (النتنة)؛ لحجم ما نراه من تفشٍّ مقزز للفساد الذي أصبح ممنهجاً. فالتعيينات بكل المناصب السلطوية مبنية على الفساد. ما نراه من تسريبات مالية من سكرتيرة لمتسلطٍ ووصولاً لوزيرٍ جعلتنا حتى نصرف النظر من كثرة ما امتلأت عيوننا بفساد نشاهده. فساد يعيد نفسه بالوراثة، أموال عامة تُسرَق على مرأى العين، وأسواق وفرص واستثمارات تُفتح للمتنفذين وأبنائهم والمقربين منهم. والشعب بين عبودية للمتنفذين من أرباب السلطة، وللعمالة الرخيصة لدى أرباب الاحتلال الإسرائيلي...".

ارفعوا اسم "أبومازن" من مقالة نادية، واختاروا اسم أي واحد من شخوص النظام العربي، فلن يختلف الأمر في النتيجة النهائية، نتنياهو سيواجه محاكمة واحتمال الحبس سنوات طويلة، في تهم استغلال منصبه وتكسب مبالغ وهدايا بسيطة (نسبياً) تعد رشوة واحتيالاً، ماذا عنا؟ هل يمكن أن نصفها بـ "مبالغ وهدايا بسيطة"؟!... يا ليت، "وكان المسامح كريم". هي لدينا مبالغ فلكية، وتتكرر دائماً كعادة مستحكمة مع أبطال النهب العام وذريتهم الكريمة.

في نظامنا العربي لن نجد هنا مثل النائب العام الإسرائيلي، حين وقف بفخر، وقال: "إن التخويف والتهديدات لم يمنعاني عن القيام بواجبي، ولم ينجحا في التأثير على قراري"... يستحيل أن نجد لدينا مثله، ليس لصفات خاصة في شخصيته، بل لأن موقفه هذا نتيجة طبيعية لواقع المؤسسات، وسيادة حكم القانون بنظام الفصل بين السلطات واستقلالها، ومراقبة كل سلطة للأخرى، والتي تخضع كلها، في نهاية الأمر، لرقابة الرأي العام.

لنا أن نتكلم كما نشاء عن دولة العصابات الصهيونية، لكن ليس لنا أن نتحدث، ولو همساً، عن أنظمة العصابات الحاكمة في معظم دول العالم العربي، هم في دولة العصابات يتحدثون بلغة واضحة وبوقائع محددة، بينما في عالمنا لا يمكن إلا أن نتحدث بلغة الرمز والتشفير والعموميات الهلامية، وحتى مع هذه، ليس هناك من سالمٍ في جسد الصحافة.

"اغتصاب" هي الكلمة الوحيدة المشتركة بين صفات الحكم في إسرائيل وفي العالم العربي، عندهم تُستعمَل الكلمة لاغتصاب أرض الغير، وعندنا اغتصاب الشعوب، وابتلاع مستقبل الأجيال.

back to top