عقيدة عسكرية جديدة تطرحها روسيا العام المقبل

نشر في 08-11-2019
آخر تحديث 08-11-2019 | 00:00
بوريس يلتسين و فلاديمير بوتين و شي جين بينغ
بوريس يلتسين و فلاديمير بوتين و شي جين بينغ
تعتقد دارا ماسيكوت من «راند كوربوريشن» أن روسيا سوف تطرح عقيدة عسكرية جديدة بحلول عام 2020، وهي تجادل في أن تلك العقيدة سوف تشتمل على 9 تغيرات أساسية مختلفة عن العقيدة السابقة التي تعود الى عام 2014، وسوف ينطوي فهم هذه التغييرات على أهمية كبيرة بالنسبة الى أي صانع سياسة غربي يأمل في توقع نوايا روسيا الاستراتيجية.

ومن منظور معظم صناع السياسة الأميركيين فإن الجانب الأكثر اثارة للاهتمام في تقرير ماسيكوت هو زعمها أنه فيما سوف تشكل عقيدة روسيا العسكرية الجديدة طوقاً مشفراً حول واشنطن فإن موسكو سوف تتوقف عن اعلانها بشكل رسمي أن الولايات المتحدة تشكل تهديداً عسكرياً.

ويبرز هذا الحقيقة الصارخة التي تؤكد أنه مهما كان حجم الخلافات بين واشنطن وموسكو فإن روسيا سوف تستمر في السعي الى حل دبلوماسي للتوترات مع الولايات المتحدة، وعلى أي حال، فإن سبع نقاط اخرى في رأي ماسيكوت في العقيدة الروسية الجديدة سوف تشير الى أن موسكو لم تعد قانعة بلعب دور كانت تقوم به في تسعينيات القرن الماضي ومطلع الـ 2000 عندما كانت الولايات المتحدة القوة المهيمنة الوحيدة.

وتجدر الاشارة الى أن روسيا شرعت في عملية تنشيط وتعزيز قدراتها العسكرية بصورة بطيئة وثابتة وفيما تتخلف القوة العسكرية والاقتصادية الروسية كثيراً بالمقارنة مع الاتحاد السوفياتي السابق فإن التغير في القوة العسكرية الروسية أسهم كثيراً في جعل موسكو قوة اقليمية من جديد. وفي التسعينيات من القرن الماضي دعم رؤساء الولايات المتحدة توسع حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي في مناطق كانت موسكو تعتبرها تاريخياً ضمن مناطق نفوذها. وقد أغضب ذلك روسيا وفي مطلع عام 1994 وخلال اجتماع لقيادة حلف شمال الأطلسي مع الرئيس الروسي في ذلك الوقت بوريس يلتسين حذر سيد الكرملين الحضور من أنهم ينقلون العالم من حرب باردة إلى «سلام بارد».

سلام بارد

وهذا هو على وجه التحديد وضع العلاقات الأميركية – الروسية في الوقت الراهن. ولم يكن ذلك التراجع نتيجة خطأ من القادة الغربيين ولكن في ضوء حالة روسيا في أعقاب الحرب الباردة يمكن أن ننسب معظم التردي في العلاقات الى مزيج غريب من العنجهية الغربية والجهل الروسي. ومعروف أن حدود روسيا كانت غير مستقرة تاريخياً فقد تعرضت روسيا الى غزوات وكادت أن تدمر ثلاث مرات خلال تاريخها الطويل. وقام المغول بغزو روسيا عن طريق آسيا وتقدموا منها الى الشرق الأوسط وبعد أن نالت روسيا استقلالها من الغزاة المغول لم تتمتع حقاً بأمن راسخ.

وفي حقيقة الأمر، تعرضت روسيا الى أخطار لا نهاية لها من الجنوب، من الغزاة العثمانيين ومن الغرب من دول أوروبا المجاورة، وهكذا ظلت صورة الوضع السياسي في ذلك البلد ولفترة طويلة من دون تغيير يذكر.

محاولات غزو

ثم تعرضت روسيا الى محاولتي غزو وكانت الأولى على يد نابليون بونابرت في عام 1815 والثانية من قبل أدولف هتلر في عام 1941، وفي الحالتين سمحت جغرافية روسيا واتساع مساحتها ببقاء تلك الدولة عصية على الغزاة.

ولكن على الرغم من ذلك ظلت روسيا تعيش في عقلية الدولة المعرضة للخطر والغزو من جيل الى آخر، وتفسر هذه العقلية – أكثر من أي شيء آخر – سلوك روسيا في فترة ما بعد الحرب الباردة وخاصة في ظل زعامة الرجل القوي فلاديمير بوتين وحاشيته.

وكما جادل بن ستيل في تعليق في مجلة فورين بوليسي في العام الماضي، فإن وجهة نظر موسكو الحقيقية مع الغرب ليست عقائدية الى حد كبير كما يتصور البعض. (وقد تخلت روسيا عن الشيوعية وحتى رئيسها بوتين لا يتوق الى عودتها الى بلاده).

وبدلاً من ذلك، تحرص روسيا على العامل الجغرافي وهي صورة لا يفهمها معظم الأميركيين، وتتمتع روسيا بحدود برية مترامية تمتد الى ثلاث مناطق حيوية هي أوروبا الى الغرب والشرق الأوسط الكبير الى الجنوب والصين الى الشرق، وفي ضوء هذا الواقع، اتخذت السياسة الخارجية الروسية نظرة طويلة وباردة وواقعية تميزت بسعي قادة ذلك البلد الى الهيمنة الاقليمية وتوازن القوى على الصعيد العالمي.

أجواء قادة روسيا

يعيش قادة روسيا في عالم من الأخطار المتواصلة التي تحيط بهم في كل زاوية استراتيجية. ومن هذا المنطق فإنهم يحكمون بقبضة حديدية ويضعون السياسات العسكرية والخارجية التي تعكس رغبتهم في اقامة مناطق محايدة حول بلادهم يستطيعون استخدامها من أجل منع أي خطر خارجي ينجم عن الغزو.

وفيما يتعلق بالتوازن التجاري مع روسيا يقول محللون إن تصرفات الولايات المتحدة أغضبت طوال سنوات كثيرة القيادة الروسية وهو جانب يمكن أن يفسر سبب تضمين العقيدة العسكرية الروسية الجديدة المرتقبة «عبارات مشفرة» حول القوة الأميركية. ثم إن روسيا تحت قيادة فلاديمير بوتين - أو أي شخصية تخلفه – لن تسمح للولايات المتحدة بالعمل على صعيد عالمي ضمن مفهوم حصانة جيواستراتيجية كانت واشنطن تتمتع بها بعد الحرب الباردة مباشرة.

احتمالات المواجهة العسكرية

وعلى الرغم من ذلك فإن موسكو تفهم تماماً أنها لا تستطيع ويجب ألا تسعى الى خوض حرب ضد الولايات المتحدة الا اذا أقدمت واشنطن على عمل تعتقد موسكو أنه سوف يشكل تهديداً مباشراً لسلامتها الاقليمية أو استقرارها السياسي الداخلي.

وعلى الرغم من الاختلافات في الأهداف يوجد الكثير مما تشترك واشنطن وموسكو فيه. الدولتان، على سبيل المثال، مهددتان بدرجة كبيرة من قبل المنظمات الارهابية في العالم، كما تشعر الولايات المتحدة وروسيا بقلق عميق من صعود الصين بقيادة رئيسها شي جين بينغ اضافة الى اختلاف البلدين حول دول مشاكسة مثل ايران وكوريا الشمالية وتحرص واشنطن وموسكو كذلك على عدم انتشار الأسلحة النووية واحتمال خروجها عن السيطرة.

وقد تتمكن الولايات المتحدة من دفع روسيا الى التعاون معها في تحجيم وتقييد القوة المساندة لها في الشرق الأوسط اذا تمكنت واشنطن من طرح اتفاق مع موسكو يعالج نقاط الخلاف الرئيسية بين البلدين (مثل أزمة أوكرانيا أو عودة روسيا الى الشرق الأوسط). وتشترك الدولتان أيضاً عبر تاريخ طويل من التعاون في أمور تتعلق بسياسة الفضاء، على الرغم من أن التصرفات الأميركية مثل كل شيء آخر اليوم، تدفع روسيا نحو التعاون العميق مع الصين رغم كل المحاذير.

وكلما طالت مدة ابتعاد الولايات المتحدة وروسيا عن الدخول في محادثات من أجل حل قضايا الخلاف بينهما ازدادت احتمالات وقوع خطأ من أحد الجانبين يفضي الى وقوع حربينهما، واستعداد البلدين لخوض حرب من هذا القبيل مسألة ليست جديدة وكل دولة تقوم بمثل هذه الخطوة ولكن السياسة الأميركية التي تتسم بضبط النفس عند التعامل مع روسيا القلقة قد تمنع كارثة من الحدوث في وقت قريب.

ثم إن رفض روسيا اعتبار الولايات المتحدة «خطراً عسكرياً» يوفر مؤشراً واضحاً على وجود أمل لنجاح الجهود الدبلومسية الرامية الى تسوية الخلافات بين البلدين، ومن هذا المنطلق يتعين على الولايات المتحدة قبول كون هذه فرصة تدفعها الى القيام بالبعض من التغييرات الأساسية في طريقة تعاملها مع روسيا اضافة الى نظرتها الى العالم.

وبخلاف ذلك، قد يسير العالم نحو حرب اخرى عما قريب، وبعد كل شيء، قلة فقط من المراقبين الألمان والبريطانيين توقعوا اندلاع حرب بين بريطانيا وألمانيا في عام 1014، ولكن ذلك على وجه التحديد هو ما حدث يومها، وحرب اخرى اليوم مع اقتراب انتشار الأسلحة النووية سوف تكون أكثر تدميراً من الحرب العالمية الأولى.

back to top