أولاً وأخيراً: الضرب في سورية حرام

نشر في 01-11-2019
آخر تحديث 01-11-2019 | 00:06
 مشاري ملفي المطرقّة سورية وإن ضعفت وإن مرضت وإن صارعت الموت تبقى دولة لها تاريخها العريق، وتبقى جزءاً من جسد الأمة العربية ولا يصح أبداً أن يشمت البعض فيها، وأن يهلل البعض الآخر لاحتلالها من أي قوة كانت، حتى لو كانت هذه الدولة المعتدية ترفع شعارات السلام والخير، وحتى لو كانت هذه الدولة تتمسح بالدين، وتلعب على وتر نصرة المسلمين، فهذا كذب وخداع، فكل الغزاة يروّجون لمثل هذه الأفكار الواهية، وهم في حقيقة الأمر لهم مآربهم الخاصة وأهدافهم الاستعمارية وحبهم للسيطرة على خيرات وشعوب الدول الضعيفة والمنهكة من الصراعات والانقسامات والحروب.

وقد كنت أربأ بمن يؤيدون ويهللون للعملية العسكرية التي أقدمت عليها تركيا في شمال سورية، فكان يجب على هؤلاء ألا يجملوا القبح ولا يروجوا للباطل على أنه حق، وعليهم أن يسموا الأشياء بمسمياتها الصحيحة، فالاحتلال هو الاحتلال، والغزو هو العدوان مهما كان اسم الغازي، ومهما كانت المبررات والدوافع والحيل، ولا يمكن لإنسان صادق مع نفسه ومحب لوطنه وعروبته أن يؤيد الاعتداء على سيادة دولة شقيقة تعاني الدمار والخراب، وتحاول لملمة نفسها والخروج من توابع الحرب التي تنهش في جسد أبنائها منذ أكثر من ٨ سنوات، فقتل منهم من قتل وشرد منهم من شرد في الخارج والداخل، فسورية لا تحتاج إلى من يستخدم القوة ضدها ويهجر المزيد من شعبها بقدر ما تحتاج إلى مد يد العون والمساعدة في إعادة إعمارها، ومنح قبلة الحياة لأبنائها الذين أتعبهم صوت الرصاص والقتل والدمار.

ورغم اعترافنا بإجرام النظام السوري الحالي، وأنه هو الذي قاد شعبه إلى التهلكة، وتسبب في الدمار والخراب والقتل والتشريد على مدار السنوات الماضية، فإننا قد تعلمنا من ديننا الإسلامي الحنيف وتربينا على عاداتنا وتقاليدنا العربية الأصيلة أن ندافع عن المظلومين، ونرفض من يهاجم الضعيف ويستقوي عليه في وقت شدته، وألا نؤيد ونشجع من ينهش في جسد الميت كما هو وضع سورية الآن التي لا تقوى على رد العدوان التركي عليها، وبالتالي يكون من الأحرى بنا أن نساعدها في مقاومة هذا الغزو، أو أن نصمت، ولا نعلن تأييدنا له، فالمبادئ لا تتجزأ، وما نصفه بالغزو والعدوان على أرضنا لا يحق لنا أن نغير وصفه وتلميعه ونعته بمسميات أخرى إذا كان على أرض غيرنا، بحجة أن من يقوم بذلك دولة تريد رفع راية الإسلام وإعادة الخلافة مرة أخرى، وفي الحقيقة كل هذا كذب وتدليس وحق يراد به باطل، فتركيا تريد التخلص من الأكراد والاستفادة من خيرات سورية، ولا تحمل أبداً أغصان الزيتون كما يحاول البعض أن يوهمنا بذلك.

واللافت في العدوان التركي على سورية أنه كشف زيف وتلون الدول الكبرى، وأنها تلعب لعبة السياسة الوقحة، فأميركا تسحب قواتها من شمال سورية وتعطي الضوء الأخضر لتركيا لاحتلالها، ثم تعود وتهدد وتتوعد أنقرة وتطالبها بالانسحاب، والاتحاد الأوروبي حليف تركيا في "ناتو" يصدر بيانات الإدانة والشجب، ويندد بعملياتها العسكرية ويحذرها من حظر تصدير السلاح لها بعد أن باع الاتحاد الأوروبي وأميركا وروسيا أسلحة لتركيا تكفيها للقتال عقوداً من الزمن فعلى من يضحك هؤلاء؟

والجامعة العربية التي تركت سورية تغرق في الحرب والصراعات الطائفية، واكتفت بإزاحتها عن كرسيها في المجلس عادت الآن لتتباكى على سورية ووحدتها واستقرارها، بعد أن أصبحت بقايا دولة، فأين كانت الجامعة العربية منذ سنوات؟ وهل استيقظ ضميرها بعد فوات الأوان أم أنها تريد غسل يدها من هذا العار الذي لحق بأمتنا العربية؟

الحقيقة المرة أنهم متلونون ويبحثون عن مصالحهم الخاصة، وتركوا الشعب السوري المغلوب على أمره يواجه الأطماع والأحقاد، أما نحن فلا نملك سوى الدعاء للسوريين بأن ينصرهم المولى عز وجل على أعدائهم في الداخل والخارج وأن يوحد صفوف الأمتين العربية والإسلامية.

back to top