نحو تعليم ديني متصالح مع العصر (10)

نشر في 28-10-2019
آخر تحديث 28-10-2019 | 00:10
 د. عبدالحميد الأنصاري دور كتب العقائد في تفرق المسلمين

كان جانبٌ كبيرٌ من التعليم الديني الرسمي (المذهبي) في الدول العربية والإسلامية ولا يزال أكبر عامل معوق أمام تقارب المسلمين وتعاونهم وتعايشهم، زرع ورسخ مشاعر الكراهية والبغضاء والعداوة في نفوسهم، وأفسد ذات بينهم، وفرقهم طوائف وجماعات متصارعة، وجاء النظام السياسي ليوظف ويستثمر العامل المذهبي في تكريس الفرقة والانقسام والإقصاء والصراع المذهبي والسياسي حتى بين أبناء المجتمع الواحد والبلد الواحد.

من يسعده الحظ ويطلع على الكتاب الفذ "قراءة في كتب العقائد" لمؤلفه الباحث السعودي الإصلاحي حسن فرحان المالكي يجد ما يذهل العقل ويوجع النفس ويؤلم المشاعر، من هول نتائج وآثار وتداعيات ما زرعتها الكتب العقائدية للفرق الإسلامية والمناهج الدينية من صنوف التعصب والكراهية والبغضاء في نفوس الناشئة، متجلية في تهم التكفير والتفسيق والتضليل والتبديع المتبادلة بين الفرق الإسلامية، وبخاصة بين أكبر فرقتين إسلاميتين اليوم (السنة والشيعة)، بل حتى داخل كل فرقة (السلفية ضد الأشاعرة) و(الإمامية ضد الزيدية)، وكل ذلك بمزاعم وأوهام "العقيدة الصحيحة" و"الفرقة الناجية" و"أتباع السلف الصالح".

ورغم أن الباحث خصص كتابه لنقد ما رآه غلواً أو تحاملاً في الكتب العقدية لمذهبه الحنبلي، على الفرق الأخرى، التزاماً بمنهج نقد الذات، فإنه يسلط الأضواء الناقدة على التجاوزات والانحرافات والتحاملات في الكتب العقائدية للفرق الأخرى.

يؤكد الباحث أن السبب الرئيس في الخصومات العقدية بين الفرق الإسلامية، والتي وصلت إلى تبادل التهم التكفيرية، هو غياب "منهج النقد الذاتي" عن كل الكتب العقائدية، فيقول: إن كل فرقة ركزت جهودها على نقد الفرق الأخرى، ونسيت نفسها، مع ما في هذا من تزكية للنفس، وظلم للآخرين، وجهل بالإنصاف. ويضيف: ما أضاع المسلمين إلا نسيان كل فرقة لنفسها وتركيزها على الفرق الأخرى، ولو نظرت كل فرقة إلى عقائدها، ومحّصتها لاتفق المسلمون في كثير من الأمور "ورحم الله تعالى من اشتغل بعيوب نفسه".

يذكر المؤلف نماذج للعناوين التي احتوتها كتب العقائد، ومنها كتب عقائد مذهبه، وهي عناوين مرضية لا تزال تفتك بالأمة، من أبرزها: التكفير، الظلم، الغلو في المشايخ، الشتم، الذم بالمحاسن، القسوة في المعاملة، التقول على الخصوم، دعاوى الإجماع، زرع الكراهية، وغير ذلك من الأمراض التي نجرعها لأبنائنا في المدارس والجامعات فيخرجون فاقدين أهلية التفكير الصحيح، وجاهلين أبرز أسس العدل والإنصاف، ثم نستغرب بعد ذلك هذا التباغض والتباعد بين المسلمين!

ينتقد الباحث كتب العقائد لاحتوائها على اتهامات التكفير، والتي لها أكبر الأثر في تفرق المسلمين، وتوفير الأرضية الشرعية للحروب بينهم، واستغلالها لإضفاء الشرعية على الممارسة السياسية، ويرى أن التكفير قلة علم وقلة ورع، وينتهي إلى خلاصة بائسة هي: السمة الغالبة على كتب الشيعة وصف السنّة بالنواصب، والسمة الغالبة على كتب السنّة، وصف الشيعة بالروافض!

إن المرء ليأسى ويحزن ويتحسر لحال أمة وصفها القرآن الكريم بأنها خير أمة أخرجت للناس، ينتهي بها المطاف، بعد 14 قرناً من فجر الرسالة، إلى ما نراه اليوم على مد الساحة العربية والإسلامية من ظواهر عنف وإرهاب طال المقدسات وبيوت الله تعالى، راح ضحيتها المئات من القتلى والجرحى، وسبي واغتصاب الآلاف من النساء الأيزيديات تم بيعهن كجوارٍ في سوق النخاسة، ونحن في القرن الـ21 ونزوح وتهجير وتشريد الآلاف من البشر من ديارهم وأوطانهم التي سكنوها منذ فجر التاريخ.

أخيراً:

ما ضرنا لو نقحنا مناهجنا الدينية من هذه المزاعم والأوهام، وتجاوزنا هذه الاختلافات المفرِّقة المهلكة، وأجلنا حكم بعضنا على بعض، ومن صاحب "المعتقد الصحيح" ومن "يدخل الجنة" إلى يوم القيامة، إلى المولى عز وجل يفصل فيه وحده، مصداقاً لقوله تعالى "إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"؟!

* كاتب قطري

back to top