«اعـفـيـنـي»

نشر في 25-10-2019
آخر تحديث 25-10-2019 | 00:09
 فواز يعقوب الكندري ليس تهكّماً، ولا بحثاً عن بطولة هشّة، بل يقيناً ثابتاً لا يُزعزعه كثرة من تخلّى، وقلّة من تبقّى، ليس تشفّياً بآلامكم، ولا تلذّذاً بمعاناتكم في غربتكم، بل إيماناً صادقاً بأنّ انتزاع الحقوق نارٌ تلظّى، إمّا أن تصقلك فتُزيل شوائبك، وإمّا أن تكوي جسدك فتشقى.

قبل أن أبدأ بكتابة ما لن يقبله المتعاطفون مع "الاسترحام" الذي قدّمه بعض النّواب السابقين الذين صدرت في حقّهم أحكام السّجن، فإنّي وبقلبٍ صادق أعتذر من أبنائهم وأهلهم أنّي كنت جزءاً من الخذلان الذي لحق بهم فأضعفهم، رغم أنّي لم أتخلّ يوماً عن موقعٍ فيه نصرتهم، أعتذر لهم لأنّ جسدي الصّغير يحمل أهدافاً أرقى من أن تدهسها عجلات العجز، ومبادئ أسمى من أن أقدّم التّعاطف فيها على العقلانيّة.

في صباح باكر كان قلبي فيه هادئاً وعقلي مشوّشاً، وكنت أتحدّث وأنا في طريقي إلى العمل بالهاتف، يحدّثني البعيد عن أمرٍ يصل مسامعي دون أن أفهمه، كُنت حينها قد صوّرت في مخيّلتي مشهداً أكون فيه مغترباً، وتلحقني أحكامٌ قضائيّة وسنحت لي فرصة أن أعود لوطني وأحبابي مقابل أن أتخلّى عن أفكاري ومبادئي، تداركت أنّ هناك من يحدّثني قائلاً: إنت معاي؟! ابتسمت وليست من عادتها أن تزورني الابتسامة صباحاً، وأجبت بتصرّف: "معاك معاك معاك، فين ما تروح معاك". على المكتب، شارد الذّهن وكرسيي يتراقص تفكيراً يميناً مرّة ويساراً مرّة، ويحيطني "توجّسي" من عدم معرفتي بمخزون صبري على البلاء، و"جالكسي" يأخذ بيدي لاتّخاذ القرار حتى يكتمل المشهد، فإذ بي أمام خطّين ثالثهما "فسادهم"، فإمّا أن أحترم عقلي وأقدّس مبادئي التي هي نتاج حبّي لوطني متحملاً قسوة الأحكام وخذلان النّاس وشتائم المطبّلين، فأكون قد احترمت ذاتي وقدّمت نموذجاً للأجيال يتشبّثون به، وإمّا أن أختار طريق العودة إلى وطني بعد أن أعلّق آمالي على بوابة مطار المهجر، وأسلّم مبادئي قبل جوازي إلى رجل الأمن، قائلاً: "عجزت عن المضي في طريقي، فاختم على حياتي السّياسيّة وطموحاتها ختم الخروج، فإن عجزت أن أكون صادقاً مع نفسي وراء السّدود، فالأجدر ألا أكون كاذباً مع النّاس فأعود لأقود".

back to top