ثائر زين الدين: المبدع السوري يواجه الموت بالكتابة

«أنا شاعرٌ مُقلّ أتخيّرُ ما تجود به قريحتي بأناةٍ وهدوءٍ ورويّة»

نشر في 21-10-2019
آخر تحديث 21-10-2019 | 00:03
د. ثائر زين الدين
د. ثائر زين الدين
شاعرٌ مبدع وناقدٌ وازن ومترجمٌ محترف للأدب الروسي، فلا عجب في قدرته على بناء النص، فهو أيضاً مهندس، وحالياً يعتلي د. ثائر زين الدين كرسي المدير العام للهيئة العامة السورية للكتاب، وفي حوار أجرته معه "الجريدة" من القاهرة، تحدث زين الدين عن الحب باعتباره محركاً رئيسياً لموهبته منذ الصغر، وقال إن المبدع السوري يواجه الموت والزوال بالكتابة والموسيقى والفن التشكيلي، لافتاً إلى أن الأمم الحية تحاول أن تحمي ثقافتها وإبداعها في الأزمات.. وفيما يلي نص الحوار:
● الحب محرك رئيس لموهبتك منذ الصغر، هكذا تقول دائماً ، كيف أسهم هذا الحب في تفجير منابع الإبداع لديك؟

- كل فعل جميل هو فعلٌ ناتجٌ عن الحب، أو مرتبط به بصورة من الصور، تأمّل معي في الدنيا، ما من فعلِ خلقٍ وولادة فيها إلا وتراه نتاج الحب، بدءاً من ولادة طفلٍ إلى ولادةِ قصيدة أو لوحةٍ أو رواية ، ومن هذا الباب كانت حياتي حافلة بمشاعر الحب، رغم صعوبات الحياة والفقر والعوز، وكانت أمي منبع الحب الأول، فقد غمرتني به رضيعاً وطفلاً وفتىً وشاباً ورجلاً، وكان منبع الحب الثاني، ولكن الرزين الهادئ الصلب هو أبي، ثم قُدِّر لي أن تقف بجانبي في كل مرحلة من مراحل حياتي فتاة أو امرأة أحبتني وأغدقت علي من فيض مودتها، ما جعلني أصبح شاعراً، وساعدني أن أصبح مترجماً، وبالطبع ما كنت لأبخل بدوري في بذل كل ما أستطيع من دماء القلب ومشاعره.

● أنت دكتور في الهندسة الميكانيكية، أي رجل علم ، ألم يتعارض ذلك مع اشتغالك بالترجمة ، وكتابة الشعر وممارسة النقد الأدبي؟

- حصلت على إجازة في الهندسة الميكانيكية عام 1986 ، من جامعة دمشق، وكنت الأول على شعبة الآليات ومن العشرة الأوائل على الكلية. ثم تابعت دراستي فحصلت على دكتوراه الفلسفة في العلوم التقنية عام 1993، لكنني كنت قد دخلت عالم الكتابة قبل ذلك، فكتبت بداية القصة القصيرة ولم أنشر شيئاً، ثم كتبت القصيدة، وكانت مجموعتي الشعرية "ورد" جاهزة للنشر قبل أن أُنهي دراستي عام 1986، لكنني تمهلت في نشرها فحذفت الكثير منها، ونُشرتْ عام 1989، وخلال كل ذلك كنت قارئاً نهماً للشعر والرواية والقصة ، ثم صدرت مجموعتي الثانية "لمّا يجئْ بعدُ المساء" عام 1996 ، وتلتها "أناشيد السِفر المَنسي" 1998، وتلتها مجموعات أخرى، وكتب أحد النقاد ذات يوم أن صاحب هذه المجموعات لابد أن يكون مهندساً فهو يُجيدُ بناء العمل.

● منذ صدور قرار تعيينك مديراً عاماً للهيئة السورية للكتاب في أكتوبر 2016، ما أبرز ما حققته؟

- خلال السنوات الثلاث الماضية - وهي كما تعلم سنوات صعبة على مختلف وجوه الحياة والإبداع في سورية – حققنا إنجازاتٍ كبيرة منها: رفع مستوى الكتاب الذي ننشره مضموناً وشكلاً، وتيسير وصوله إلى القارئ بأساليب عِدة، أهمها معارض الكتاب الكثيفة في كل المحافظات السورية، ونوافذ البيع المختلفة، وإطلاق المشروع الوطني للترجمة الذي نضع له خطة سنوية طموحة في كل عام، بلغت هذا العام نحو 200 عنوان من مختلف ثقافات العالم، وإطلاق جوائز أدبية وفنية (جائزة حنا مينة للرواية العربية، جائزة سامي الدروبي للترجمة، جائزة عمر أبي ريشة للقصيدة العربية، جائزة القصة القصيرة المكتوبة للطفل، جائزة اللوحة الفنية المرسومة للطفل، جائزة حفظ الشعر العربي بهدف التمكين للعربيّة)، ثم إطلاق مجلة فصلية ضخمة ملوّنة اسمها "جسور ثقافية" تعنى بالترجمة، ومشروع "الكتاب الناطق" ليتمكن الناس من الاستماع إلى رواية أو مجموعة شعرية أو قصص أو سوى ذلك مُسجّلا على قرصٍ مُدمجٍ. ورافق ذلك كله عشرات الندوات والمؤتمرات والمحاضرات وحفلات توقيع الكتب، وأنتجنا خلال العام الماضي 266 كتاباً وعشرات المجلات، منها (المعرفة، الحياة التشكيلية، الثراث الشعبي، الحياة المسرحية، أسامة، شامة، الحياة الموسيقية).

● رغم أجواء الحرب في سورية، نجد حالة إبداعية عظيمة وكماً كبيراً من إبداعات السوريين.. ما تفسيرك لحالة التوهج الإبداعي تلك؟

- في فترات الحروب والكوارث تحاول الطبيعة أن تحمي نفسها بأشكال عِدة، الكائنات الحية وأولها الإنسان يفعل ذلك أيضاً، لهذا تزداد أحياناً نسبة الولادات لاسيما من الذكور كما كان الأمر في أثناء الحرب العالمية الثانية، ولا يختلف الأمر في الجانب الثقافي والمعرفي، فالأمم الحية تحاول أن تحمي ثقافتها وإبداعها في الأزمات، حيث لفت نظري كقارئ ومن موقعي أيضاً مديراً عاماً لهيئة الكتاب، أن حجم ما ينتجه الكاتب والشاعر السوري لم ينخفض ولم يتراجع فنيّاً، لكأن المبدع السوري حاول أن يواجه الموت والزوال بالكتابة والموسيقى والفن التشكيلي ، وأنا أعلم أن ثمة أعمالاً جميلة لم ترَ النور بعد، لاسيما في مجال الرواية، هذا الفن العظيم الذي لا يستجيب سريعاً للأحداث، لكنه حين يفعل بعد زمن غير قصير تكون استجابته باهرة.

● في أي محطة يقف قطار الشعر لديك؟

- منذ نحو شهرٍ، صدرت مجموعتي الجديدة "وردةٌ في عروةِ الريح" عن وزارة الثقافة، وقد شغلت الجزءَ الأكبر منها قصيدة "مشاهد سوريّة"، فوقعت في 77 صفحة وضمت 34 مشهداً حاولت أن أستخدم في بنائها تقنيات قادمة من عالم السينما والقصة القصيرة والمسرح، وكانت مجموعتي التي سبقتها "ورميتُ نرجسةً عليك" قد صدرت مطلع 2016, عن اتحاد الكتاب العرب، أي قبل نحو أربع سنوات وأنا عموماً شاعرٌ مُقلّ، أتخيّرُ ما تجود به قريحتي بأناةٍ وهدوءٍ ورويّة، فخلال مسيرتي الشعريّة التي بدأت فعليّاً منتصف الثمانينيّات لم أنتج سوى سبع مجموعات شعريّة.

● الوظيفة تجهض مشاريع إبداعية لدى الكاتب.. إلى أي مدى ينطبق هذا عليك؟

- أنت محق ،إن كنتَ مخلِصاً في عملك الوظيفي فسيستهلكك إلى حدٍ بعيد، لاسيما حين يكون العمل مثل عملي، ينطوي على مسؤولياتٍ أخلاقيّة ووطنيّة وإنسانيّة، فأنت تعلم مسيرة المخطوطات التي تدخل الهيئة العامة السورية للكتاب، منذ وضعها بين أيدي الخبراء والمحكمين وصولاً إلى دفعها للمطبعة، ومتابعة بروفاتها غير القليلة، وانتهاءً بصدورها كتباً تُطرحُ بين أيدي الناس ، فتصور أنني أبقى مشدود الأعصاب، مُتَحَسّباً حتى يخرج الكتاب إلى النور ويثيرُ انطباعات حسنةً وربما ثناءً وتقريضاً، وهذه الأمور وسواها تدفعُ باهتماماتي الخاصة وكتاباتي إلى المستوى الثاني، وأنت تعلم أن الإبداعَ لا يُعطيكَ بعضاً من نفسه إلا إذا منحتَهُ نفسَكَ كلَّها، ومع ذلك عليّ أن أكتب شعراً ونقداً وأن أترجم، فإلى أي حدٍ سأتمكنُ من أن أكون منصِفاً بين عملي وكتاباتي؟! هذا ما لا أستطيع معرفته الآن.

● ما أهمية الجوائز بالنسبة للأديب، في ضوء حصدك جائزة الدولة التشجيعية عام 2014 ، وجائزة أخرى مهمة في مجال الترجمة من روسيا؟

- نلتُ جوائز أدبية عدّة آخرها جائزة مجمع اللغة العربية في دمشق وحملت عنوان "جائزة خليل مردم بيك لنقد الشعر العربي المعاصر"، عن كتابي "مرايا الظلال القادمة/ دراسات في الشعر العربي المعاصر".

الجوائز الأدبية مهما علا شأنها معنوياً وماديّاً لا تصنعُ مُبدعاً، فالمبدعُ يولد وينمو وينضج، ثم تأتي الجوائز لتقدّر إبداعه، وفضلها يتجلُى في أنها تلقي الضوء على إبداع كاتب ما، وتدفع الساحات الثقافيّة للاهتمام بنتاجه، وقد تُسهِّلُ عليه مشقّات الحياة لزمن معيّن إن كانت قيمتها الماليّة جيدة، لكنّ من مساوئها أنها تدفع الكثير من المبدعين إلى الغرور والكسل والتعالي على القراء، وقد تحرِفُ بوصلة بعض المبدعين عن قضايا بلادهم الكبرى والمصيرية.

● ما المشروع الثقافي والأدبي الذي تنشغل به الآن؟

- صدرت مجموعتي الشعرية الجديدة "وردة في عروة الريح" منذ مدة قريبة ، وأنتظر أن أسمع آراء القراء والنقاد بشأنها، وفي مجال الترجمة كنت قد بدأت أنا وأحد أصدقائي المترجمين ترجمة أعمال دوستويفسكي من الروسيّة مباشرة إلى العربية، وقد أنجزنا روايات عدّة حتى الآن ونوشكُ أيضاً أن ننهي ترجمة "الحياة والمصير" ، وتتحدث عن الحرب الوطنية العظمى ضد النازية، ومؤلفها كان أديباً وجندياً في الجيش الأحمر، أما في النقد، فحالياً لا أكتب شيئاً،وكان عملي النقدي الأخير "مرايا الظلال القادمة/دراسة في الشعر العربي المعاصر" قد صدر في العام الماضي، كما يأخذ عملي في هيئة الكتاب الآن جلَّ وقتي...وأحاول - مع زملائي- أن أحقق إنجازات طيبة على صعيد النشر وصناعة الكتاب في سورية.

الأمم الحية تحاول أن تحمي ثقافتها وإبداعها في الأزمات

بدأت أنا وأحد أصدقائي المترجمين ترجمة أعمال دوستويفسكي
back to top