فشل المخطط النازي- العربي في بغداد

نشر في 17-10-2019
آخر تحديث 17-10-2019 | 00:10
وضع المفتي الحسيني مجهوداته كلها في خدمة توسع الإعلام الألماني النازي وامتداده في البلدان الإسلامية، وطلب إنشاء إذاعة سرية إسلامية، وتولى مهمة الاتصال بالشخصيات الإسلامية البارزة في العالم لكسبها إلى جانب المحور وتحريضها على الثورة على الحلفاء، بمن في ذلك المجاهد الهندي "فقير آبي".
 خليل علي حيدر تزايد اهتمام الألمان بالنشاط الإعلامي الموجه إلى العالم العربي بعد الانتصارات التي حققها الجنرال رومل في شمال إفريقيا، حيث تم إنشاء "مركز الأنباء العربي" Arabische Nachrichten Dienst، وتولى إدارته الصحافي اللبناني "عفيف الطيبي"، وكان للمركز مندوب في "صوفيا" عاصمة بلغاريا، هو "كامل مروة"، مؤسس صحيفة "الحياة" لاحقا في لبنان، يزود "الطيبي" يومياً بالأنباء وينقلها أيضا إلى الإذاعة العربية في أثينا، الواقعة تحت الاحتلال الألماني، وكانت ثمة إذاعة عربية أخرى في برلين، وكان للمركز مندوبان في أنقرة هما "جلال عوف" و"نجيب كنعان" ومندوبان في "بوخارست" في رومانيا هما "حمدي الخوجا" و"يونس بحري" الذي بلغ أقصى درجات الشهرة لاحقاً كما سنرى، في مجال الإعلام الألماني النازي، وكان المعهد الإسلامي المركزي Islamiche Zentral. Institut يقوم بترجمة خطب المفتي أمين الحسيني في المناسبات العربية والإسلامية وينشرها بالألمانية.

والصحافي "عفيف الطيبي"، مدير مركز الأنباء المشار إليه، ابن صحافي فلسطيني هو "محمد شاكر الطيبي"، وهو أي محمد شاكر، "ابن فلسطين الذي اختار بيروت منارة لإصدار جريدة "الإخاء العثماني" في عام 1908، ولما انتهى الحكم العثماني عام 1918 صار اسم جريدته "الإخاء" واستمرت في الصدور حتى وفاته سنة 1929 وفي حينها لم يكن عفيف قد تجاوز السادسة عشرة بعد".

(عن موقع WWW.Sidacity.net).

ويضيف الموقع الإلكتروني أن عفيف الطيبي قام عام 1937 بإنشاء صحيفة "اليوم"، "منبراً للثورة الفلسطينية وصوت مناضليها من اللبنانيين والعرب، وبالإضافة إلى دورها في العراق إبان الثورة الوطنية الكبرى التي قادها رشيد عالي الكيلاني في مواجهة النفوذ البريطاني، وبفعل مواقفه تعرض للاضطهاد عقب دخول الجيوش الإنكليزية والفرنسية لبنان في عام 1941 فلجأ إلى إسطنبول ثم غادرها إلى برلين، حيث تسلم رئاسة المكتب العربي، وهو المكتب الذي صار هيئة رسمية تمثل العرب خلال الحرب في أوروبا، وفي عام 1946 استأنف إصدار صحيفة "اليوم"، وبفعل جهوده انتخب عام 1958 نقيباً للصحافة، وتجدد انتخابه- في لبنان- لأربع مرات".

وضع المفتي الحسيني مجهوداته كلها في خدمة توسع الإعلام الألماني النازي وامتداده في البلدان الإسلامية، وطلب إنشاء إذاعة سرية إسلامية، وتولى مهمة الاتصال بالشخصيات الإسلامية البارزة في العالم لكسبها إلى جانب المحور وتحريضها على الثورة على الحلفاء، بمن في ذلك المجاهد الهندي "فقير آبي"، يحرضه على الثورة على الإنكليز ويعده بمساعدة المحور المالية لهذا الغرض".

(د. محافظة ص 258).

وامتدت نشاطات المفتي إلى دول البلقان، "فتعاون مع السلطات الألمانية المحتلة في يوغسلافيا وألبانيا، وأوفد عددا من المقربين إليه إلى البوسنة ومقدونيا وألبانيا من أجل الاتصال بالزعماء المسلمين في هذه البلاد، وشجع الدعوة إلى إنشاء دولة إسلامية تضم ألبانيا والبوسنة والهرسك، وقام المفتي نفسه بزيارة كرواتيا في أبريل 1943 واتصل بالمسلمين فيها، وساهم في تكوين فرقة عسكرية إسلامية (فرقة الصاعقة) تعاونت مع الألمان المحتلين في هذه البلاد. وأوفد أحد سكرتيرية إلى كوسوفو لمحادثات حول قيام دولة إسلامية في شبه جزيرة البلقان". (د. محافظة، 259). إلا أن هذه النشاطات أثارت مخاوف الألمان الذين كانوا يخططون لوضع البوسنة والهرسك تحت سيطرة الرايخ الألماني!

ماذا عن القفقاس وأذربيجان... وإيران؟

يقول د. محافظة: "أقام المفتي صلات مع المنظمات الإسلامية في شبه جزيرة القرم وشمال القفقاس وأذربيجان وأواسط آسيا، وحث هذه المنظمات على التعاون مع الألمان ومقاومة العدو المشترك المتمثل في تحالف الإنكليز واليهود والبلاشفة، وفي تموز (يوليو) 1942 اتصل المفتي بالمجتهد الإيراني الطباطبائي نائب رئيس المؤتمر الإسلامي، مستشار الشاه رضا بهلوي سابقا، واقترح على الألمان دعوته إلى إسطنبول للتفاوض معه". (ص259).

وتنشأ عن تحركات "المفتي" في مناطق البلقان واليونان المحتلة من قبل النازيين الألمان ودول المحور، عدة أسئلة:

هل كان "المفتي" مثلاً يقر احتلال هذه المناطق كي يتعامل بهذه الأريحية والاندفاع؟ وهل كان يعتبر التعامل مع سلطات الاحتلال في هذه المناطق حقا له وهو الذي لا ينتسب إلى الألمان أو البلقان؟ وهل كان يقر المقاومة الوطنية ضد الاحتلال النازي أصلاً، أم كان يعتبر كل مقاومة للألمان، الذين يقاتلون و"يجاهدون" الإنكليز، معادية لمصالح الحلفاء المسلمين؟

لم يكن المفتي فيما يبدو يرى أي بأس في دعم المجهود الحربي النازي، بل كان كما رأينا لا يوفر أي جهد في هذا المجال، كما كان للتعاون العربي مع المجهود العسكري الألماني تاريخ معروف.

وكان الطلبة العرب في برلين قد تظاهروا وطالبوا الحكومة الألمانية بإعطائهم السلاح ونقلهم إلى العراق ليقاتلوا الإنكليز إلى جانب الجيش العراقي بعد حركة رشيد عالي الكيلاني المرتبطة بالسياسات الألمانية في المنطقة كما ذكرنا. واستجابت السلطات الألمانية لطلبهم ونقلت بعضهم إلى معسكرات للتدريب في غرب ألمانيا، ولما انتهى أمر حركة رشيد عالي الكيلاني في العراق، غادر الطلبة المعسكر المذكور ونقلتهم السلطات الألمانية إلى اليونان ليتموا تدريبهم العسكري قرب أثينا، والتحق بهذا المعسكر العديد من الشباب والعسكريين العرب الذين هربوا من العراق.

ولم يكن مما يرضي طموح المفتي أن تكون هذه المفارز العسكرية العربية امتداداً للجيش الألماني، ربما بقدر ما كان يطمح إلى جيش يكون هو أو بعض أعوانه على رأسه، "وقد امتعض المفتي من تسمية المفرزة العربية "مركز التدريب العربي- الألماني". وأثناء زيارته لروما في فبراير 1942 اقترح من جديد على الحكومة الإيطالية تشكيل جيش عربي، وكان الجواب الإيطالي مخيباً للأمل: "إنه مشروع مفيد ولكن لا قيمة عسكرية له".

وإزاء إلحاح المفتي أبلغه الألمان أن لابد من استعمال المفرزة العربية بعد اجتياز القفقاس ودخول الحدود العراقية، وكان من المقرر أن ينتقل المفتي إلى "تفليس"- وهي تبليسي عاصمة جمهورية جورجيا الحالية- عند احتلال القوات الألمانية لها. وحالما تدخل القوات الألمانية العراق تتولى المفرزة العربية بالتعاون مع القيادة الألمانية الخاصة Sonder stob F إعادة تشكيل الجيش العراقي.

ويضيف د. محافظة: "ومع تقدم القوات الألمانية في القفقاس انتقلت المفرزة العربية إلى الاتحاد السوفياتي مع القيادة الخاصة، وأخذت اسما جديداً "القيادة العامة 68" للمهمات الخاصة General Kommando 68 Z.B.V، وبلغ عدد هذه القوة الألمانية العربية المشتركة ستة آلاف جندي وضابط، وكانت قوة مدرعة ميكانيكية ولديها أسلحة كافية لفرقة كاملة من المتطوعين العرب وزودت بسبع طائرات".

ويقول د. محافظة إن المفتي "عارض بشدة إرسال المفرزة إلى الاتحاد السوفياتي، وطلب نقلها إلى مصر أو إلى شمال إفريقيا، والواقع أن الهجوم السوفياتي المضاد على القوات الألمانية منذ شتاء عام 1942، وتراجع قوات دول المحور في شمال إفريقيا، جعل موضوع المفرزة العربية أمراً ثانويا لا قيمة له".

ماذا عن الخلاف بين المفتي والكيلاني؟ سنرى ذلك!

نشاطات الحسيني امتدت إلى دول البلقان فتعاون مع السلطات الألمانية المحتلة في يوغسلافيا وألبانيا
back to top