وجهة نظر : لماذا أصبحت أسعار النفط عكس التوقعات؟

نشر في 15-10-2019
آخر تحديث 15-10-2019 | 00:25
 د. عبدالسميع بهبهاني إن التحليل لتوقعات أسعار النفط الآنية والمستقبلية (price forcast) عادة يتم بـ3 طرق:

1. العرض والطلب

2. المخزون العالمي

3. الوضع الجيوسياسي

الداعي لهذا التحليل هو ما نشاهده هذه الأيام من هبوط بأسعار النفط، خام (برنت، وتكساس)، إلى أدنى مستوى منذ 6 أشهر، حيث وصلا إلى 54 و59 دولارا للبرميل (بعد أن حلّقا بين 59 و71 دولارا بعد انفجاري أرامكو قبل أسبوعين). فبالنظر إلى العوامل التي ذكرناها نرى أن ذلك أحدث انخفاضاً في الأسعار، رغم أنها عوامل دافعة إلى ارتفاع الأسعار، حيث نلحظ ما يلي:

1. الانخفاض في إنتاج «أوبك» إلى أدنى مستوى منذ في سبتمبر، حيث أوصلها، حسب المعلن، إلى 28.9 مليون برميل يومي (هبوط بمقدار 750 ألف برميل يوميا عن أغسطس!).

2. التزام «أوبك» بقرار خفض الإنتاج بلغ، حسب المعلن، 218 في المئة.

3. استمرار ارتفاع الدولار، العملة الأساسية للنفط، ولكن ببطء، أي باستقرار، مما يعني خمود الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين.

4. انتقال التوتر الجيوسياسي في الخليج إلى توتر عسكري مباشر!

هذه العوامل الأربعة تعتبر دافعاً قوياً لارتفاع أسعار النفط (حسب أساسيات السوق النفطي)، لكننا نرى عكس ذلك، إذ يحدث هبوط مستقر مع قفزات تحوطية مؤقتة بين فترة وأخرى، فمن المتحكم في أسعار النفط الحاليه؟ هل هو؟

1. المنتج والمشتري، أم

2. المضارب في أسواق المال، أم

3. العامل الجيوسياسي الغامض!!

1. التفسير المتداول من المؤسسات الاقتصادية التجارية يشير إلى أن هذا الانخفاض المفاجئ هو لزيادة المخزون والإنتاج الأميركي! هذا من وجهة نظري تفسير مبالغ في أثره على الأسعار. فالولايات المتحدة أنتجت في سبتمبر 12.5 مليون برميل يوميا، وتستورد 6.8 ملايين برميل يوميا ومخزوناتها تعلن المتأخرة في ارتفاعات تحوطية مؤقتة (بلغت 419.5 مليون برميل *بنقص قدره 10 ملايين برميل* عن معدل مخزون أغسطس!) فعرض المخزون والإنتاج يستمر في معدله الطبيعي في أغسطس وسبتمبر، مما يعني أن هذا العامل ليس المؤثر القوي في الأثر. وإذا نظرنا إلى إنتاج «أوبك»، كما ذكرنا في البداية، فإن إعلان المنظمة التزاما بلغ في سبتمبر 218 في المئة فإن هذا يعني أن هناك نقصا في السوق يقدر بمـليوني برميل يومي. وبمراجعة الطلب العالمي في سبتمبر لم يتغير عن المعلن السنوي، وهو 1.1 مليون برميل يومي، فعامل العرض والطلب المعلن لم يتغير حسب مسوحات المؤسسات الاقتصادية!

2. نجد المضاربة في أسواق المال في تعاملاته مع برميل النفط، ومع أسهم شركات الصناعات النفطية مستفيدة من هذه التقلبات دافعة لها محركة لتقلباتها بين شراء المنخفض وبيع المرتفع للاسعار، وبهذا يكون المضارب في أسواق المال مناصرا للتقلبات النفطية بل ومبرمجا لها!

3. نعني بالعامل الجيوسياسي أنه العامل المؤثر المباشر في عرقلة الإنتاج أو النقل، مما يسبب نقصا في الإمداد العالمي.

إن انتاج «أوبك»، حسب اعلان المنظمة والمؤسسات (الجيوسياسية!) أصبح بمعدل 28 مليون برميل يوميا، والمخزون العالمي قارب التوازن (أي تقلص فائضه إلى 350 مليون من 700 مليون برميل إلى معدل 5 سنوات). وبالتدقيق مع حركة النقل (Tanker tracker) ومن تقارير (Oilprice)، وتصريحات بعض قياديي «أوبك» منها الوزير السعودي السابق، نجد أن التصفير أو حتى أرقام نقص إنتاج، دول الحصار (إيران وفنزويلا) أو انقطاعات ليبيا ونيجيريا أو حتى المملكة العربية السعودية بعد حادث هجمات التفجيرات، مبالغ فيها وغير حقيقية، فالأرقام الحقيقية لإنتاج هذه الدول تجاوزت 3 ملايين برميل يوميا مقابل التقديرات المعلنة من «أوبك» انها لا تتعدى المليون.

ومن جانب آخر، فإن أرقام الالتزام في الخفض والإنتاج لا تتناغم مع أسعار النفط التي عادة تكون تفاعلها مباشرا وسريعا. نعم هناك انحراف لمؤشر أسعار النفط عن العلاقات الطردية المتعارفة في توازن السوق النفطية التي أقدر أنها تجاوزت الـ35 في المئة. أرى أن «أوبك» مازالت أسيرة في العامل الجيوسياسي في تقاريرها الشهرية، مما أفقدها المهنية! والمستفيد الأكبر الحالي هو المضارب فقط لا غير.

* خبير واستشاري نفطي

back to top