الصين تقلص خطر الصواريخ الأميركية في المحيط الهادئ

نشر في 11-10-2019
آخر تحديث 11-10-2019 | 00:00
مارك إسبر و ميخائيل غورباتشوف و رونالد ريغان
مارك إسبر و ميخائيل غورباتشوف و رونالد ريغان
جهود نشر الولايات المتحدة صواريخها تصطدم بعقبات شديدة من جانب الحلفاء في ميدان آسيا– المحيط الهادئ الذين يدركون أن نشر صواريخ في بلادهم يفضي الى استياء بكين وربما إلى إجراءات اقتصادية انتقامية غير محسوبة.
أعرب الخبير الأميركي الاستراتيجي السابق في وزارة الدفاع (البنتاغون) أيلبريدغ كولبي في مقابلة صحافية أجريت معه أخيراً عن قناعته بأن "التوازن العسكري في المحيط الهادئ يمضي في الاتجاه الخطأ"، وفي أعقاب الانسحاب من معاهدة الحد من الأسلحة في مطلع شهر أغسطس الماضي تدرس الولايات المتحدة في الوقت الراهن الاحتمالات المتاحة من أجل نشر صواريخ تهدف الى تحقيق توازن في مواجهة ترسانة الصين الضخمة من الأسلحة المختلفة.

ولكن جهود نشر الولايات المتحدة صواريخها تصطدم بعقبات شديدة من جانب الحلفاء في ميدان آسيا– المحيط الهادئ الذين يدركون أن نشر صواريخ في بلادهم يفضي الى استياء بكين وربما الى اجراءات اقتصادية انتقامية غير محسوبة.

وتجدر الاشارة الى أن معاهدة الأسلحة النووية المتوسطة المدى التي وقعها الرئيس الأميركي رونالد ريغان ونظيره السوفياتي ميخائيل غورباتشوف في عام 1987 حظرت نشر صواريخ تقليدية ونووية مداها من 500 كيلومتر الى 5500 كيلومتر. وفي الثالث من أغسطس قال وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر انه يأمل أن يشرف على نشر أنظمة صواريخ متوسطة المدى في آسيا "عاجلاً وليس آجلاً".

وبعد أسبوعين من ملاحظات وزير الدفاع الأميركي أظهر مقطع فيديو من وزارة الدفاع الأميركية عملية اطلاق دراماتيكية لصاروخ كروز من جزيرة سان نيكولاس في ولاية كاليفورنيا، وكانت عملية غريبة لتطور النظام الفني ولنوايا وزارة الدفاع.

مشاكل غير محسوبة

ولكن نشر صواريخ في قواعد موجودة أسفر عن مجموعة من المشاكل غير المحسوبة، وعلى سبيل المثال فإن "كل بوصة" من غوام وهي أرض أميركية في غرب المحيط الهادئ ستكون مستهدفة على الأرجح، بحسب أحد خبراء الرقابة على السلاح– كما أن صاروخ الصين البالستي الذي يعرف باسم "دي إف– 26" الذي يوصف بأنه "قاتل غوام" سبق أن عرض في الذكرى السبعين في بكين في الأسبوع الماضي.

في غضون ذلك، وفي الصيف الماضي طالب 70 ألفا من المحتجين الغاضبين من اقتراح يدعو الى نقل موقع القاعدة الجوية الأميركية من جزيرة أوكيناوا في اليابان الى موقع آخر في "ناها" وشددوا على ضرورة إزالة القاعدة بصورة تامة. ثم إن الجزيرة التي تتوقع انسحاباً لمشاة البحرية الأميركية "المارينز" يشكل وصول دفعة جديدة من الصواريخ تمركزاً لمزيد من القوات الأميركية وليس العكس، وسوف تقابل تلك الخطوة بصيحات استنكار ورفض من جانب جمهور الجزيرة.

أول سلسلة جزر

يذكر أن مخططي وزارة الدفاع الأميركية كانوا يدرسون منذ سنوات تقوية ما أطلق عليه اسم "أول سلسلة جزر" وهو خط يمتد من جزر كوريل قبالة شبه جزيرة كاماشتكا في روسيا ويعبر اليابان وتايوان والفلبين ويلتف حول ماليزيا ليصل الى فيتنام.

وكتب أحد الأساتذة في كلية مشاة البحرية الأميركية يقول إن مثل هذه الفكرة يمكن استخدامها خلال فترة نزاع من أجل "قطع صلة الصين بأسواقها الخارجية، والأكثر أهمية قطع موارد الطاقة التي هي في حاجة اليها لاسناد وانقاذ اقتصادها والحفاظ على السلم الاجتماعي".

وعلى الرغم من تحررها من معاهدة الأسلحة النووية المتوسطة المدى اليوم فإن العثور على حلفاء يقبلون بنشر تلك الصواريخ في بلادهم يشكل تحدياً كبيراً بالنسبة الى الولايات المتحدة بسبب النفوذ الاقتصادي الذي تمارسة الحكومة الصينية.

وفي شهر أبريل الماضي رفعت بكين عقوبات عقابية كانت فرضتها قبل عامين على مجموعة "لوت" في كوريا الجنوبية وذلك بعد أن وفرت تلك المجموعة بشيء من التردد الأرض اللازمة من أجل نشر بطارية دفاع صاروخية من جانب سيول.

وفي خطوة تنطوي على عقوبات تم إغلاق متاجر مجموعة "لوت" في الصين بذريعة وجود دوافع أمنية، كما تم تعليق عمليات البناء الى أجل غير مسمى في مشاريع تلك المجموعة في شينغيانغ وشنغدو، وقررت حكومة بكين منع السياح الصينيين من السفر الى كوريا الجنوبية.

في غضون ذلك يبدو أن متاعب كوريا الجنوبية الاقتصادية كانت كافية لصرف النظر عن أي تفكير في مسألة الصواريخ الأميركية المتوسطة المدى. وقالت وزارة الدفاع في ذلك البلد علانية في الخامس من شهر أغسطس الماضي "لم نستعرض قضية الصواريخ وليست لدينا أي خطط للقيام بذلك".

الموقف الأسترالي

وفي اليوم نفسه أبلغ رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون وسائل الاعلام أن استضافة صواريخ أميركية "لم تطلب منا"، ونحن لم ننظر في هذه المسألة، وأوضح أحد المعلقين الصحافيين الأميركيين أن سبب رفض أستراليا استضافة صواريخ أميركية يرجع الى حجم التبادل التجاري السنوي بين أستراليا والصين وقيمة الدولار الأسترالي التي قد تتأثر بذلك.

وفي أواخر شهر أغسطس الماضي قام الرئيس الفلبيني رودريغو دويترتي بخامس زيارة رسمية له الى الصين، وفي حين تعهد بمواجهة بكين في عدوانها في بحر الصين الجنوبي أشار المتحدث باسمه الى أن المحادثات في بكين ربما تتناول التعاون المشترك بما في ذلك خطط استكشاف النفط والغاز في "ريد بنك".

وقد حاول الرئيس الفلبيني الابتعاد عن الولايات المتحدة، وهي حليفة الفلبين منذ عام 1951 وأعلن في خطاب أمام رجال أعمال في القاعة الكبرى للشعب في أول زيارة رسمية له الى الصين في عام 2016 "انفصاله" عن الولايات المتحدة.

جزر الفلبين

جدير بالذكر أن الفلبين تضم أكثر من سبعة آلاف جزيرة، ولكن لا توجد بينها جزيرة واحدة يحتمل أن تستخدم على شكل قاعدة للصواريخ الأميركية.

ومن بين كل الحلفاء الاقليميين ستبدو اليابان الأكثر تجاوباً مع رغبة الولايات المتحدة، وفي اجتماع لسكرتارية الأمن القومي في شهر مارس الماضي حث أحد المشاركين حكومة طوكيو على النظر بجدية في "السماح بنشر صواريخ متوسطة المدى في اليابان".

وفي ذلك الشهر فتحت قوات الدفاع الذاتي البرية في اليابان قواعد جديدة في أمامي أوشيما ومياكو في جزر ريوكيو جنوب البلاد في حين استمر البناء في قاعدة أخرى في إيشيغاكي.

وعلى أي حال ليس من المؤكد وجود رغبة للمشاركة من قبل اليابان، ويخشى فرانكلين ميلر وهو مستشار سابق في مجلس الأمن القومي الأميركي من أن يفضي نشر الصواريخ المثيرة للجدل الى احداث انقسام مثير لعدم الاستقرار في شتى أوساط المجتمع الياباني وبين الجماعات المؤيدة للولايات المتحدة والمناوئة لها.

من جهة أخرى يعتبر نفوذ الصين التجاري مفهوماً تماماً، وقد أوضح أحد مسؤولي وزارة الدفاع اليابانية أنه اذا "طلبت منا ذلك العمل الولايات المتحدة فسنواجه بكل تأكيد خياراً صعباً جدا".

وأخيراً، وفي منطقة متشابكة اقتصادياً مع توترات أميركية– صينية متصاعدة تصبح مثل تلك الخيارات أكثر صعوبة بشكل واضح.

الفلبين تضم أكثر من سبعة آلاف جزيرة ولا توجد بينها جزيرة واحدة يحتمل أن تستخدم على شكل قاعدة للصواريخ الأميركية
back to top