«النجدي» لطالب الرفاعي... انطباع شخصي!

نشر في 11-10-2019
آخر تحديث 11-10-2019 | 00:02
 عبدالهادي شلا هو انطباع شخصي وليس نقداً حين أتكلم عن رواية أهدانيها صديقي الروائي طالب الرفاعي «النجدي» أو لنقل قراءة بعين ورؤية شخصية، ذلك أنني لست بعيدا عن كل ما كتبه من قصص وروايات ومقالات أو دراسات منذ أن أهداني قصته الأولى «أبو عجاج طال عمرك»، وبتّ حريصا على متابعته بعين من يريد له المزيد فيما يعطي، واستشعرت روحا وقلما مميزا بشخصيته، وكنت أجده في كل مرة متجدداً ومضيفاً إلى رصيده ما يرتقي به وبقلمه، وهو يقدم للقارئ العربي رغم خصوصية بعض ما كتب من موضوعات.

«النجدي» شخصية يعرفها أهل الكويت، عرضها الرفاعي بأسلوب ممتع تداخلت فيه واقعية الشخصية مع توليفة خيال الكاتب المسيطر على أدواته، وهو يتنقل بين سرد على لسان الشخصية الرئيسة، وهي «النجدي» وبين صور أبدعها من خيال كاتب يعرف سر البحر، وكيف لا وهو بجواره دائما يملأ رئتيه من هوائه ويمتع نظره بتبدل حاله؟!

دمج خياله القصصي بواقع حياة بطل قصته التي لم تخلُ من الحديث عن جزء من تاريخ الكويت، والعلاقة الأزلية مع البحر وما يعنيه بالنسبة إلى أهلها. ورغم تجدد الحياة العامة بعد النفط وطفرته من تطور، بقي وسيبقى البحر ظلا لليابسة يمدها بالسيرة الطيبة لأهلها وكرمهم وقدرتهم على تحمل الصعاب، وحب المغامرة في سبيل لقمة العيش التي كان البحر أول من بسط صدره لسفن الكويت القديمة، وهو اليوم يبسطه للناقلات التي تحمل الخيرات وتأتي بالخيرات.

القصة أراد لها الكاتب أن تكون بلمحة تاريخية، وفي الوقت نفسه حدد لها ساعات جرت فيها أهم أحداثها جعلتني ألهث وراء النهاية التي أبدع في رسمها في الجزء الأخير، وهو يصور كيف تقاذفت الأمواج النجدي «النوخذة» القوي هو وأصحابه بأجسادهم التي لم تعد فتية، وقد عبروا من الستين إلى السبعين بحياة كلها عزة.

كانت الصورة أمام عيني كقارئ تتراءى مثل مشهد في فيلم سينمائي، ربما جعلني أربط بين شخصية «النجدي» القوي العنيد في شبابه وبين وشخصية بطل قصة «الشيخ والبحر» لأرنست همنغواي خصوصا في لحظات مقاومة الريح السوداء التي أتى بها الطقس المفاجئ، في حين «النوخذة النجدي» متردد في أن يصدق حدسه الذي كان يهمس له بضرورة مغادرة البحر وهو يشم تلك الرائحة الكريهة التي لا يخطئها، وهو الذي عاش في البحر أكثر مما عاش على اليابسة!!

عنصر التشويق كان مسيطراً بجانب الصور التي كانت تتردد بين الصفحات وتخرج من بين الحروف، وكأنها تؤكد ما يرتسم في مخيلتي من صور للبحر وجماله الذي أعرفه حين يكون صافيا ومتسامحا وفاتحا أبوابه لكل عشاقه، وفي الوقت ذاته سره الذي كان ومازال يخيفني رغم عشقي له.

لم تغب أسرة النجدي عن خياله، وهو يصارع الموج ويمسك الصندوق بيده، في حين يقاوم جسده برد فبراير وريح العاصفة الهوجاء. كان يتذكر زوجته «شمة»: لا تتأخر! وتأتيه صورة والده وهو يسلمه دفة البوم، ويسمح له بقيادته في أول مرة، وكيف قطع البحار والمحيطات وتنقل بين البلاد، وكيف كان يصر «النجدي» على أن علاقته بالبحر قدرية، وهو يعاتبه الآن كيف يتخلي عنه ويباغته بهذه العاصفة الهوجاء على حين غرة في يوم من أيام فبراير الهادئة؟!

لا شك أن قصة «النجدي» فيها من القيم الأدبية والصور الجمالية أكثر مما أتيت عليه هنا، ولعل النقاد في عالم الأدب هم الأكثر قدرة على استخراج الدرر منها بما يملكون من أدوات النقد والتمييز بين الأساليب الأدبية.

شكراً صديقي طالب على هذه الهدية القيمة.

* كاتب فلسطيني - كندا

back to top