الانتخابات وسبل ضمان إجرائها

نشر في 06-10-2019
آخر تحديث 06-10-2019 | 00:06
 مصطفى البرغوثي لا حاجة لتكرار ما هو معروف بأن الانتخابات الفلسطينية قد تأخرت كثيرا عن مواعيدها، ولا حاجة لتأكيد المطلب الشعبي الواسع بضرورة إجرائها وإعطاء الشعب حقه الطبيعي في اختيار قياداته، كما أننا لسنا بحاجة للتذكير بخطورة غياب مبدأ فصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، بسبب تعطيل المجلس التشريعي لسنوات، ثم حله، وبسبب تأخر الانتخابات عن موعدها، خصوصا أن هناك جيلاً فلسطينياً كاملاً من الشباب، يمثل اليوم جزءا كبيرا من الناخبين، لم تتح له أي فرصة للمشاركة في الانتخابات سابقا.

السؤال الأكبر، ما السبل لتجاوز الصعوبات التي ستواجه إجراء الانتخابات، والتي تكمن في ثلاثة أمور: حالة الانقسام القائم، ومعارضة إسرائيل لإجراء الانتخابات في القدس وربما بشكل عام، وكيفية ضمان سلامة الانتخابات الديمقراطية في الضفة وعلى رأسها القدس وفي قطاع غزة. وفيما يتعلق بالعائق الأول، والذي كان مبرر تأخير الانتخابات عن مواعيدها، وهو الانقسام الداخلي، فإن المنطق يتطلب الشروع الفوري بتطبيق اتفاقات المصالحة، لضمان مشاركة الجميع في الانتخابات، والبدء بحوار يشمل كل القوى لاعتماد مبدأ النسبية الكاملة في انتخابات المجلس التشريعي، واعتبار هذه الانتخابات مدخلا لاستكمال انتخابات المجلس الوطني في كل مكان باعتبار أن المُنتخبين من أعضاء المجلس التشريعي، أو البرلمان، سيكونون أعضاء في المجلس الوطني ممثلين عن الضفة الغربية والقدس والقطاع كما جرى سابقا.

ويشكل نجاح هذا الحوار، ضمانة ليس لإجراء الانتخابات في الضفة والقطاع دون استثناء فقط، بل سيمثل أيضا ضمانة لحرية الدعاية الانتخابية، والنشاط السياسي والتنظيمي، ولحرية الرأي والتعبير، ولسلامة الانتخابات نفسها في يوم الاقتراع، وهي جميعها شروط أساسية لصحة العملية الانتخابية.

ولكن ما الذي يمكن فعله إن استمر الانقسام وفشلت القوى في تطبيق ما اتفقت عليه من اتفاقات المصالحة؟ ما الذي يمكن عمله حتى لا يصبح هذا الفشل مبررا وذريعة مجددة لعدم إجراء الانتخابات، أو لتقديم أطروحات خطيرة سياسيا كإجرائها في الضفة دون غزة، بكل ما يمكن أن يحدثه ذلك من كوارث سياسية على القضية الوطنية؟

برأينا، أن التوافق الوطني هو الأفضل بكل المعايير، ولكن في حال استحالة ذلك، ولضمان إجراء الانتخابات وإعطاء الشعب حقه، يمكن أن تشكل الانتخابات مدخلا لإنهاء الانقسام بدلا من أن تكون نتيجة له شريطة التوافق أولا على منح لجنة الانتخابات المركزية الصلاحيات، والإمكانات الكاملة لإدارة العملية فنيا دون مضايقة أو إعاقة، وثانيا تشكيل لجنة وطنية مستقلة تماما، ومتفق عليها، ومخولة بالكامل، لإنفاذ مهمة توفير الأجواء اللازمة لإجراء عملية الانتخابات بكل مكوناتها من دعاية ونشاط سياسي دون مضايقة في الضفة والقطاع، وأن تكون لها صلاحية التدخل لإزالة أي عقبات تقف في طريق ذلك؟

فإما أن يتصالح الجميع ويجروا الانتخابات الديمقراطية، أو يتفقوا على لجنة وطنية مستقلة تضمن سلامة العملية الانتخابية ويحترموا قراراتها. على أن تتم العملية الانتخابية بحضور دولي كبير وخاصة من الأمم المتحدة، لتأكيد نزاهة العملية.

أما العقبة الثانية، فهي اعتراض إسرائيل المتوقع على إجراء الانتخابات عموما، وعلى إجرائها في القدس تحديدا، وبهذا الشأن يجب التوافق على أن من المُحرم السماح لإسرائيل وحكومتها بأن تكون هي المقرر في إجراء الانتخابات الفلسطينية أو عدمها، بل يجب التصدي بكل حزم لمحاولاتها التدخل في استقلالية القرار الفلسطيني.

وفيما يتعلق بالقدس فإن من واجبنا أن نجد الوسائل في حال فشلت الضغوط الدولية على إسرائيل للسماح بإجرائها، وذلك متوقع، أن نجد الوسائل لإجراء الانتخابات في القدس رغم أنف حكام إسرائيل، وهناك عشرات الوسائل التي ستمكننا من جعل الانتخابات الديمقراطية في القدس وسيلة من وسائل المقاومة الشعبية الفعالة، بل جعلها فرصة لفضح حكام إسرائيل أمام العالم باعتبارهم قامعين للديمقراطية وحق الشعب في إجراء الانتخابات الحرة.

أما ضمان سلامة الانتخابات فيتطلب توقيع كل القوى المشاركة، لميثاق نزاهة الانتخابات وتطبيقه حرفيا، بما يشمل حرية الرأي والتعبير وحرية الدعاية الانتخابية، وضمان عدالة توازن الإعلام والتمويل، والتطبيق الدقيق للقانون الذي يمنع الأحزاب السياسية من استخدام المؤسسات ووسائل الدعاية العامة والرسمية لمصلحتها.

هناك عقبات ومصاعب وتحديات، وهناك حلول لها، إن توافرت النية الصادقة لاحترام حق الشعب الفلسطيني في إجراء انتخابات طال انتظارها.

* الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية

back to top