أسهم أو فتوى

نشر في 03-10-2019
آخر تحديث 03-10-2019 | 00:09
ما حدث في موضوع الاكتتاب والفتاوى المصاحبة هو برهان بسيط على أن الاعتقاد بأن تسلم الأمور في الدولة لسلطة الدين هو فكرة غير صحيحة، بل لا تصلح أبدا في أي مجتمع متنوع ومختلف الاعتقادات والعقائد.
 علي محمود خاجه على خلفية الاكتتابات التي تم الإعلان عنها مؤخرا ودعوة المواطنين الراغبين للمشاركة فيها، طالعنا البعض بفتاوى لتحريم هذا الاكتتاب في حين طالعنا الآخرون بفتاوى معاكسة تبيح هذه الاكتتابات.

وهو موضوع يستحق فعلا تناوله في أكثر من اتجاه وأكثر من جانب؛ ففيما يتعلق بالجانب الأول من الموضوع فإن الإقبال على الاكتتابات في اليومين الماضيين يثبت بما لا يدع مجال للشك أن الكثيرين، وعلى الرغم من فتاوى التحريم، لم يعودوا يلتفتون إلى محاولة البعض في تكييف النصوص الدينية للتحريم على حسب أهوائهم وأفكارهم الشخصية، الأمر الذي كنا دائما نحذر منه بأن تكون الفتوى الدينية وسيلة لدى البعض للتوجيه المصلحي، وهو أمر استمر سنوات بل عقوداً في الكويت، فكان منها تحريم الدراسة وتحريم الهاتف وتحريم التلفاز وتحريم الستلايت وتحريم البلوتوث، وكلها أشياء أصبحت حلالاً اليوم عند المحرمين نفسهم قبل سنوات.

وعدم التفات الكثير من الناس اليوم وإقبالهم على الاكتتاب هو مؤشر جيد لمقياس الوعي بألا سلطان لأفراد يستخدمون الفتاوى الدينية على سلوكياتنا، وكلي أمل فعلا أن يكون هذا الوعي مستمراً، وأن تكون القدرة على التمييز هذه منهجاً وليس لمجرد أن الفتوى اليوم تتعارض مع مصلحة مادية للناس ممن أقبلوا على شراء الأسهم رغم الانتشار الواسع لفتوى التحريم، أما إن كان إقبال الناس على شراء الأسهم دافعه بأن المصلحة المادية تفوقت على الدينية فهو طبعا مؤشر أخلاقي خطير بأننا كمجتمع نكيّف الدين حسب مصالحنا، فمتى ما تعارض الدين مع المصلحة غلبت المصلحة، وهو ما لا أتمناه طبعا.

هذا من جانب أما الجانب الآخر في موضوع فتاوى الاكتتاب مؤخرا فهي مسألة تعارض تلك الفتاوى ما بين تحريم وإباحة، وهي ليست المرة الأولى طبعا التي تتعارض فيها آراء أصحاب الفتاوى في مسألة أو قضية عامة، والمفارقة أن أصحاب الفتاوى المتعارضين اليوم هم من مذهب واحد، وكلامي هنا موجه إلى كل من يعتقد أننا اليوم يجب أن نولي الأمور في الكويت لسلطة الدين، وأفترض، لا سمح الله، أن يؤخذ بهذا الاعتقاد وتولت الأمور فعلا سلطة الدين على حد تعبير المطالبين بذلك، فكيف ستدار الأمور حينها؟ وعلى أي منهج؟ ومن الذي سيحدد حينها المباح من المحرم؟

إن كانت الفتاوى في المذهب الواحد بل داخل الاتجاه الديني الواحد داخل المذهب الديني تتعارض، فكيف ستسير الأمور، وعلى أي منهج تحديدا؟ ومن يحدد أن هذا الرأي هو المعتبر أم ذلك؟ وهل ستكون لدينا هيئة لكبار العلماء هي من تحدد إن كان الاكتتاب حلالاً أم حراماً، أو إن كان إنستغرام مباحاً أم ممنوعاً؟ أو إن كانت مؤسسة التأمينات غير جائزة أم جائزة؟

ما حدث في موضوع الاكتتاب والفتاوى المصاحبة هو برهان بسيط على أن الاعتقاد بأن تسلم الأمور في الدولة لسلطة الدين هو فكرة غير صحيحة، بل لا تصلح أبدا في أي مجتمع متنوع ومختلف الاعتقادات والعقائد.

back to top