«تجارة النقل البحري في الكويت من خلال سيرة حمد عبدالله الصقر» (5-10)

شبكة تجارة الصقر في دول الخليج العربي

نشر في 03-10-2019
آخر تحديث 03-10-2019 | 00:04
يعد المرحوم حمد عبدالله الصقر من أبرز رجالات أسرة الصقر في أوائل القرن العشرين من الناحيتين السياسية والاقتصادية، وقد تمثلت ذروة نشاطه السياسي في تسلّمه رئاسة مجلس الشورى الذي أسس سنة 1921م، وكان اختياره لهذا المنصب دليلاً على علو مكانته الاجتماعية في الكويت.

وتحدث المؤلف د. فيصل عادل الوزان في الكتاب، وهو من مطبوعات مركز البحوث والدراسات الكويتية 2019، عن نشاط حمد الصقر في المجال الاقتصادي، وعن كونه المؤسس الرئيس لشبكة تجارية تجاوزت محيط الكويت إلى الموانئ المطلة على المحيط الهندي وبحر العرب، وامتلاكه أسطولا من السفن الشراعية، لنقل التمور من أملاكه الواسعة في جنوب العراق، وتعود محملة ببضائع تلك البلاد، ليتم تصريفها مرة أخرى في مختلف أرجاء شبه الجزيرة العربية والعراق والشام، ومن هنا جاء لقب «ملك التمور» الذي أطلق عليه.

ومن خلال تتبع السيرة الذاتية للمرحوم حمد الصقر يرصد المؤلف سجلا لمرحلة مهمة من تاريخ الكويت الاقتصادي، معززا بالوثائق الكاشفة عن أحداث ونشاطات وشخصيات لا تتيحها لنا كتب التاريخ أو التقارير البريطانية التي تعود الباحثون على الرجوع إليها في أبحاثهم، وهذا الكتاب هو القسم الأول من دراسة وثائق أسرة الصقر.

وكان حمد تاجرا وسياسيا ومربيا عاش في فترة انتقالية مهمة من تاريخ الكويت الحديث والمعاصر، حيث عُد أحد أهم تجار النقل البحري «تجارة السفر» في الكويت والخليج العربي، وكان يشكل مع أخويه صقر وأحمد وأبنائهم كتلة تجارية أساسية في الكويت قادت مع غيرها، ما يمكن تسميته النهضة الاقتصادية الثانية في تاريخ الكويت في الثلث الأول من القرن العشرين.

وهذا الكتاب الذي جعله المؤلف في ١١ فصلاً لا يخدم التاريخ التجاري فقط، بل يفيد تخصصات تاريخية أخرى، كتاريخ اللغة واللهجة المحلية والقانون وعلم الإدارة والعلاقات العامة والمحاسبة، بما فيه من الوثائق العديدة المودعة والمشروحة من مراسلات وعقود ودفاتر.

كما أن صور الوثائق والأخبار والروايات الموثقة في الكتاب والمراجع التاريخية والعربية والأجنبية منحته قوة في التوثيق وصدقا في الرؤية، وفيما يلي تفاصيل الحلقة الخامسة.

تجارة حمد الصقر في جدة

تتكفل سفن حمد الصقر أو السفن المحملة بتموره، المتوجهة إلى اليمن بالوصول الى جدة، وهي ميناء مهم على البحر الأحمر، وتزداد أهميته بالتأكيد في مواسم الحج بنهاية كل سنة، حيث يتوافد الحجاج ويتضاعف سكان جدة ومكة والمدينة، ولذلك فإن السوق ينتعش ويرتاده التجار من كل صوب لتلبية حوائج الحجاج، خصوصا من المواد الغذائية.

وهذه وثيقة مرسلة من حمد الصقر إلى وكيله بعدن خالد عبداللطيف الحمد، ويبيّن فيها أن سعر قوصرة التمر يتضاعف في جدة، ويقول الصقر فيها إن التمور التي نولها لأحد النواخذة الكراجيين سيتم خصم نسبة النول للنوخذة، بحسب الميناء الذي يتم البيع فيه:

رسالة من إبراهيم فكري في لنجة إلى حمد الصقر في البصرة بتاريخ 28 رمضان 1345هـ

في عدن وبربرة (بالصومال)، يخصم روبيتان من ثمن قوصرة التمر لصالح النوخذة (ثمن النول)، وفي ميناء الحديدة يخصم من ثمن قوصرة التمر 3 روبيات لصالح النوخذة، واما في ميناء جدة فإن نول النوخذة يبلغ أربع روبيات ونصف والسبب في اطّراد السعر مع كل ميناء هو بُعد المسافة وخطورة الملاحة البحرية في البحر الاحمر الذي تختفي تحت سطحه بقليل شعب مرجانية قد يصطدم بها النوخذة غير الخبير، مما يزيد المخاطرة.

ويخبر الصقر في رسالته الى الحمد أنه قد أرفق رسالة أخرى، ومعها مبلغ ألف روبية لأحد التجار في جدة، وهو الحاج صالح الفضل، ويبدو أنه أخو إبراهيم الفضل الوكيل في كراجي وبومبي، وفيها معلومات تخص طرق البيع.

كما يذكره بوجود تغيّر في سياسة الإدريسي حاكم الحديدة، التي تفرض مزيدا من الضرائب (العشور) مرور السفن، إضافة الى إخباره عن الإكراميات التي دفعها الى النوخذة الذي أبدى حرصا شديدا في حفظ التمور، وطلب الى الحمد أن يوصي الفضل بدفع المزيد له في جدة.

تجارته في عُمان

تأتي بعض الوثائق الخاصة بحمد الصقر على ذكر موانئ عمانية، مثل مسقط وصور، وتبين أن التجارة الحاصلة هناك لها ارتباط بزنجبار وموانئ صومالية وموانئ هندية وفارسية، ولذلك فإنها تدل على وجود موانئ إضافية على شبكة تجارة الصقر، ولذلك أورد هذه الوثيقة المكونة من صفحتين والمرسلة من بندر مسقط بتاريخ 19 رمضان 1338هـ / 6 يونيو 1920م، وفيها بعض التفاصيل المهمة نقرأ أن المرحوم حمد الصقر وأخاه صقر قد عرضا على تاجر ونوخذة عماني يدعي عبدالله بن شعيب بن عبدالله بن صابر الصوري أن يعمل معهما، حيث قبل الأخير شروطهما، ويبدو أن هذا التاجر كان على علاقة بالتاجر ووكيل الصقر في بومبي محمد ثنيان الغانم، والتاجر ووكيل الصقر في كاليكوت، وربما المكلا يوسف صقر الصقر، ووكيل الصقر في عدن خالد عبداللطيف الحمد، ويتضح من معرفة معظم وكلاء الصقر أن هذا التاجر قد يكون أيضا ضمن شبكة الوكلاء، ولعله كان وكيل زنجبار أو صور أو مسقط.

وفي بداية الرسالة يقدم الصوري تعازيه بمناسبة وفاة أحد الأقرباء من محمد بن ثنيان الغانم والصقر، دون أن يفصح عن الاسم، لأن سياق تقديم العزاء جاء بعد أن ذهب الصوري للقاء محمد ثنيان الغانم في بومبي، لكنه لم يجده هناك وسمع الخبر المحزن.

رسالة من حمد الصقر إلى خالد عبداللطيف الحمد بعدن بتاريخ 18 ديسمبر 1921م

كما نقرأ أيضا في الرسالة أن الصوري يتحدث عن سأمه من عمل البحر والسفر، وعلى هذا الأساس فإنه يعرض سفينته الغنجة للبيع على الصقر، ويطلب اليهما في حال رغبا بالشراء أن يقدما السعر (السيم أو السوم)، وإضافة الى ذلك فإنه يعرض عليهما شراء أربعة صوار (ادقال). ويوضح أيضا وسيلة سفره من زنجبار بشرق إفريقيا إلى بومبي في الهند، فقال إنها من خلال سفينة الميل، وهي سفينة البريد ويتحدث أيضا عن شحنه لنوع من الأخشاب الإفريقية يسمى بورتي على ظهر سفينة صومالية، حيث وجهها الى بندر بوشهر والكويت، ويصف هذا الخشب بأنه سميك (يبر).

ذُكر النوخذة عبدالله بن سعيد ولد صابر الرزيقي العريمي، المولود في صور العمانية، في الوثائق الفرنسية واستنادا، الى كتاب الدكتور سلطان القاسمي «الوثائق العمانية في الأرشيف الفرنسي»، وكتاب «التاريخ الملاحي وصناعة السفن في مدينة صور العمانية» للأستاذ حمود الغيلاني، يتضح أن النوخذة عبدالله عاش في فترة أزمة الإعلام الفرنسية الممنوحة للسفن الصورية التي حدثت بين بريطانيا وفرنسا، والتي تصاعدت سنة 1903م، فوصلت القضية الى محكمة العدل الدولية في لاهاي، وقد تضمن الإعلان الذي أصدره السلطان تركي بن فيصل البوسعيدي اسم النوخذة عبدالله بن سعيد ولد صابر الذي امتلك سفينتين «سعد السلام»، وهي السفينة نفسها التي يعرضها للبيع في هذه الوثيقة التي نعرضها أدناه وسفينة أخرى من نوع الغنجة أيضا اسمها «الخالة».

وتكشف وثيقة أخرى مؤرخة بـ 20 مارس 1928م عن تعامل المرحوم حمد الصقر مع التاجر الخانبهادر نصيب بن أحمد المتمركز في مسقط، وفيها يخبر الخانبهادر الصقر عن أحدث أسعار المواد الغذائية كارز البلم، وأرز كراجي والدقيق، وذكر ايضا سعر صرف الجنيه الإفرنجي والريال الفرنسي.

الصقر في بوشهر ولنجة

وتبيّن المراسلات المتعلقة بتجارة الصقر في بوشهر، عبر وكيل شركة حاجي غلام علي وحاجي محمد باقر بهبهاني، أن التاجرين يخبران الصقر بأن ورقة حوالته قد وصلت وقدرها 690 روبية و15 آنة، وهي موجهة للوكيل في بومبي الحاج إبراهيم بن عبدالله الفضل، وأنه سيتم تقييدها في دفتر الديون على الصقر، ويبدو أن التاجرين كانا يعملان صيارفة وناقلي أموال عبر الموانئ.

أما في بندر لنجة، وهي تقع على الساحل الشرقي للخليج العربي، فتحدثنا وثيقة عن تعامل الصقر مع التاجر إبراهيم محمد عقيل فكري، ويبدو أن بينهما معاملات تنويل سفن وتحميل 900 كورجة جندل من زنجبار، فيذكر البغلة «وهبة» والبغلة «سعد الرحمن»، وكذلك يبين عملات حوالة مالية بين الطرفين.

تجارته في نجد والجبيل

كانت الكويت ميناء رئيسا لإقليم نجد بوسط الجزيرة العربية، ومصدرا للبضائع الأساسية كالمواد الغذائية والمنسوجات ومواد البناء، وذلك بحكم عوامل الموقع الجغرافي وروابط الدم والتقارب الحضاري، وكانت التجارة البرية مع نجد تسمى بالمسابلة، وصورة هذه التجارة هي أن يبيع التاجر الكويتي بضاعته المستوردة الى التاجر النجدي بيعا آجلا، أي أن يعطيه البضاعة التي يريدها النجدي ويسجلها عليه دون أن يقبض ثمنها حالا، بل يسبل، أي يطيل المدة قبل القبض حتى ينتهي التاجر النجدي من تصريف البضاعة في القرى والمدن النجدية، ويعود الى الكويت ويسدد ما عليه، ويعيد الكرّة بأخذ بضاعة جديدة، وكانت هذه التجارة تمثّل ربع أو ثلث اقتصاد الكويت.

رسالة من عبدالله بن شعيب بن عبدالله بن صابر الصوري في مسقط إلى الأخوين صقر وحمد الصقر 19 رمضان 1338هـ

وتذكر المصادر حدوث أزمة بين نجد والكويت، نتيجة إصرار سلطان نجد عبدالعزيز بن سعود على الاستفادة الشخصية من هذه التجارة، حيث طالب بحصة من واردات الجمارك والرسوم أو راتب سنوي، لكن مع رفض الكويت لمطالبه منع رعاياه من المتاجرة معها.

رسالة من الخانبهادر نصيب بن محمد في مسقط إلى حمد الصقر في الكويت بتاريخ 20 مارس 1928م

وتظهر بعض المراسلات والوثائق أن حمد الصقر كان يتعامل مع تاجر في مدينة عنيزة، وهو المرحوم عقيل المحمد العقيل، وذلك في أثناء أزمة المسابلة بين الكويت ونجد، ويبدو أن التواصل كان يحدث عن طريق الزبير، وكانت من مهامه على سبيل المثال تخليص حسابات مالية لحمد الصقر مع أشخاص من تلك الناحية، ثم يقوم الصقر بالتسديد له لاحقا، وكذلك يقدم العقيل للصقر تفاصيل العمليات التجارية التي قام بها، إضافة الى من يتعامل معهم في الجبيل والبحرين، أما في بريدة فيظهر أن وكيله يدعى المرحوم صالح الدحيم الشايع.

* جامعة الكويت قسم التاريخ

نماذج من بعض وثائق الصقر في نجد

تقدم إحدى الوثائق فكرة جيدة عن طريقة تجارة حمد الصقر في نجد، حيث كان يتعامل مع التاجر المرحوم عقيل المحمد العقيل في عنيزة، ومن خلاله يتصل بمدن نجدية أخرى، فنقرأ بهذه الرسالة أن هناك تصريف بضائع في حائل، كما بينت ارتباطه بالجبيل، حيث المرحوم عبدالله بن حسن القصيبي، وكذلك يبدو حمد الصقر هنا تاجر مسابلة يبيع الأقمشة بأنواعها المختلفة كالأقمشة الهندية واليابانية والشماغات والأقمشة الملونة، كما تتضمن بضاعته مواد غذائية كالسكر والهيل والقهوة والشاي وغيرها.

رسالة من عقيل العقيل في عنيزة إلى حمد الصقر في الكويت بتاريخ 5 المحرم 1345هـ

وإضافة الى ذلك يتبين أن حمد الصقر كان يخطط لنقل فسائل أو فروخ نخل نوع السكري من القصيم ليزرعها في الكويت، وربما جنوب العراق، وكان يتحرى الوقت المناسب لقطع ونقل وغرس الفسائل، وهذا يدل على اهتمامه بتطوير زراعة النخيل وتنويع الإنتاج لديه.

وثيقة تثبت تعامل الصقر مع العقيل والقصيبي

تظهر إحدى الوثائق المؤرخة بـ 16 رمضان 1344هـ الموافق 20 مارس 1926م تعاملات تجارية بين الصقر والعقيل وعبدالله بن حسن القصيبي الذي كان يتمركز في الجبيل الواقعة شمال القطيف، حيث أرسل القصيبي الى حمد الصقر بالكويت يعلمه بآخر العمليات التجارية، وتبدو في الوثيقة بعض التفاصيل والأسماء التي تعرفنا جزئيا بالشبكة التجارية الخاصة به، والتي ترتبط بحمد الصقر، نقرأ اسم التاجر صالح الدحيم الشايع، والنوخذة جمعة بوعركي وعبدالرحمن البلوشي، ويتضح أيضا أن حمد الصقر كان يزود القصيبي بأخبار الأسعار في الكويت، ويرد عليه بذكر أسعار بعض السلع في الجبيل، ويخبر بأن السوق فاتر، أي قليل البيع، كما يخبر عن إرسال مبلغ 2000 ريال الى البحرين لحساب الصقر، ويخبر عن دخول 8 فردات خام أصلي و6 خام أميركاني أصلي.

من عبدالله حسن القصيبي في الجبيل الى حمد الصقر في الكويت بتاريخ 16 رمضان 1344هـ

وهناك وثيقة في 5 سبتمبر 1927م من عبدالعزيز وعبدالمحسن النفيسي في الجبيل، وهي رسالة مرسلة الى حمد الصقر تشكره على إبلاغه لهم بوصول مبلغ 1500 روبية إليه عن طريق النوخذة محمد بن عمر الطراح، ولحساب مشعان بن فهد الصراف.

ووثيقة أخرى لبريدة في القصيم، تخص وكيله صالح الدحيم الشايع الذي أرسل للصقر يعاتبه على تأخره بالرد على رسائله ويخبره بوصول أمانة له من عبدالله بن حسن القصيبي، وهو تاجر معروف في شرق الجزيرة العربية والبحرين، وهي صرة فيها 300 ليرة ذهبية عثمانية وإفرنجية، كما يخبره عن أسعار السلع المهمة في بريدة، وينهي رسالته بطلب إرسال السلام الى عميه محمد وعلي، وليس واضحا إن كان يقصد محمد الحمود وعلي الحمود الشايع أم لا.

تجارة الصقر في نجد كانت تزداد أهميتها في مواسم الحج حيث يتوافد الحجاج ويتضاعف سكان جدة ومكة والمدينة

المراسلات المتعلقة بتجارة الصقر في بوشهر كشفت أن وكيليه هناك هما حاجي غلام علي وحاجي محمد باقر بهبهاني

حمد الصقر وأخوه صقر عرضا على تاجر ونوخذة عماني يدعى عبدالله بن شعيب بن عبدالله بن صابر الصوري العمل معهما وقَبِل

الكويت كانت ميناء رئيساً لإقليم نجد وسط الجزيرة العربية ومصدراً للبضائع الأساسية كالمواد الغذائية والمنسوجات ومواد البناء

وثائق الصقر تبيّن أن التجارة الحاصلة في عمان لها ارتباط بزنجبار وموانئ صومالية وهندية وفارسية

حمد الصقر تعامل في مسقط مع التاجر الخانبهادر نصيب بن أحمد
back to top