هل هناك حرب قادمة؟ وهل نحن مستعدون لها؟

نشر في 02-10-2019
آخر تحديث 02-10-2019 | 00:20
 أ.د. غانم النجار تحولت الحروب التقليدية إلى عبء، أكثر منها حلاً، كثيرة الأضرار، كبيرة الكلفة، مع صعوبة التحكم بنتائجها، وبالذات في البعد الإنساني، الذي لا يضعه متخذو قرار الحرب عادة في حساباتهم، حيث زاد عدد اللاجئين على 65 مليوناً، وهو أعلى رقم في التاريخ المسجل، ليصبحوا قضية سياسية وأمنية واستراتيجية تجاوزت الشرق الأوسط، محدثة زلازل سياسية في أوروبا وأبعد من أوروبا. فالحرب التقليدية التي يقوم فيها طرف (دولة أو مجموعة دول) باستخدام أعلى درجات العنف والإكراه لإخضاع كلي لطرف آخر خارجي أو داخلي، لم يعد ممكناً القطع بنهاياتها وتشعباتها.

فمنذ منتصف التسعينيات، حل محلها حقبة الحروب الجديدة، حسب "كالدور"، وهي خليط من حرب محدودة، وعنف ممنهج، وجماعات مسلحة، وجريمة منظمة، وانتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، أطراف النزاع فيها محليون ودوليون، من القطاعين العام والخاص، وتسعى لتحقيق أهداف سياسية محددة باستخدام وسائل كالإرهاب أو تقويض الاستقرار أو إيجاد اقتصاد إجرامي موازٍ، وهي أدوات ممنوعة نظرياً في الحروب النظامية، بالإضافة إلى تطور تكنولوجي كالطيارات المسيّرة والحرب الإلكترونية، لتجعل الحروب التقليدية شيئاً من الماضي.

الشاهد أن كل الحروب النظامية التي جرت بعدها، على الرغم من توفر أقوى ترسانة أسلحة ضاربة لها في التاريخ، لم تحقق أهدافها المعلنة، بل خلقت إشكاليات أكثر تعقيداً، فالقوة الفائضة، في زمن الحروب الجديدة، لا تعني تحقيق الهدف الاستراتيجي.

فلنأخذ ثلاثة أمثلة باختصار، وقد نفصلها لاحقاً، جميعها في محيطنا الذي عانى أكثر عدد من الحروب في العالم، وتجمعت فيه أكثر الأسلحة عدداً وتدميراً، حتى قيل إن اليمن وحده هو ثاني أكبر دولة في ملكية السلاح الشخصي، بعد أميركا.

أفغانستان هي مثالنا الأول، فبعد 18 سنة من حرب أميركا على أفغانستان-طالبان، وبتكلفة سنوية (في السنوات الأخيرة فقط) زادت على ٥٠ مليار دولار سنوياً، تجري مفاوضات، رغم تعثرها، لحل سياسي يعيد الأمور إلى سابق عهدها. وكان لافتاً أن مفاوضي طالبان هم من معتقلي غوانتنامو السابقين.

أما حرب العراق 2003 ، التي تم شنها بمنطق القوة التقليدي، حسب المحافظين الجدد، فقد نتج عنها "داعش" و"حشد شعبي" وغيرهما، وتعاظم النفوذ الإيراني في العراق، وتم وصف تلك الحرب، أميركياً بأنها أسوأ قرار في تاريخ السياسة الخارجية الأميركية، وفاقت تكلفتها تريليوني دولار.

أما أحدثها، حرب اليمن، فهي مستمرة منذ سنوات دون رؤية لكيفية نهايتها، بل فتحت فيها جبهات أخرى، استمراراً لوضع إنساني حاد، وفي الوقت ذاته تقوم أميركا بالتفاوض مع الحوثيين.

من حيث التطور النظري الاستراتيجي، لم تعد القوة الماحقة المهيمنة كافية، أما من حيث التفاصيل، فلم يعد للدول المعنية رغبة أو أمعاء تتسع لهضم حرب نظامية، سواء أكانت أميركا أم إيران أم السعودية، بصرف النظر عن البلاغيات، وربما يُستعاض عن الحرب بأدوات الحرب الجديدة؛ كعنف منظم، وحروب بالوكالة، وحروب اقتصادية أو غيرها، وهي مطبقة على أرض الواقع على أية حال.

back to top