حسن البقالي: الكتابة الأدبية «لا تحيا باللغة وحدها»

«أرفض الومضة لأنها تنطفئ وأريدها متوهجة»

نشر في 02-10-2019
آخر تحديث 02-10-2019 | 00:03
بلغ الأديب المغربي حسن البقالي حداً من الروعة والجمال عبر إبداعه في القصة القصيرة جداً، التي يرفض تسميتها بـ "الومضة" من منطلق أن الأخيرة ينطفئ بريقها بينما يريدها هو متوهجة زمناً.
وفي حوار أجرته معه "الجريدة" من القاهرة، قال البقالي الذي تتنزه نصوصه الزاهرة بين حدائق القصة والرواية والقصة القصيرة جداً، إن الكتابة الأدبية لا تحيا باللغة وحدها بل ثمة تقنية للكتابة وفكرة أصيلة، مشيداً بأهمية الجوائز في تحفيز الأدباء، لكنه في الوقت ذاته حذَّر من أن يتحول الكاتب إلى صيَّاد للجوائز فقط... وفيما يلي نص الحوار:

● يتنوع إبداعك بين القصة والرواية والقصة القصيرة جداً... على أي أساس تحدِّد الشكل السردي الذي تكتب فيه؟

- على أساس الفكرة والتيمة التي ستملأ الأوعية الدموية للنص، والتي تحدد شكله انطلاقاً من الزاوية التي ينظر منها الكاتب، وفي النهاية يتوجب ألا ينفصل المضمون عن شكله، وسأقدم لك مثالاً: الاهتمام بالسرد القصير جداً يجعل الكاتب يفكر في العالم بشكل مختلف، لا يهمه أن يراه كنسق، بل يذريه ويشظيه ويفتته إلى عوالم ميكروسكوبية متنوعة وكثيرة صالحة لأن تكتب كقصة قصيرة جداً في أسطر قليلة، ما إن تقول حتى تصمت، أما الرواية فأمرها مختلف وتتطلب وقتاً وصبراً على بناء عالم تتقاطع فيه المصائر وتتجاور فيه الحيوات، هناك إذن قصدية ما تسبق فعل الكتابة وتعي شكلها.

الجنس الأدبي

● لماذا ترفض وصف القصة القصيرة جداً بـ "الومضة"؟

- هل تعرف كم هي تسميات هذا الجنس الأدبي؟ لابد إذا من تدبير الأمر بالحذف والاتفاق على تسمية واحدة. أرى أن تسمية القصة القصيرة جداً تفي بالغرض، رغم ما يمكن أن يُقال في ذلك، ثم إن الإيماض يستدعي الانطفاء الوشيك، وأنا أدعو إلى القصة القصيرة جداً المتوهجة، التي تحافظ على وهجها زمناً بعد القراءة. القصة القصيرة جداً نجمة لا ثقب أسود.

الأداة الأولى

● أيهما يشغل بالك أكثر: اللغة أم تقنية الكتابة؟

- اللغة أداة أساسية في الكتابة، بل هي الأداة الأولى بما أن كل كتابة هي قول لغوي أساساً، وليس للكاتب عُذر في أن يعجز عن توفير أداة العمل الأساسية بشكل لائق وأداة سليمة، رائقة، راقية.

بالمقابل، لا تحيا الكتابة الأدبية باللغة وحدها، إلى جانب الخطاب، والدلالة، ثمة طريقة تعريف الخطاب، وتقنيات إنتاج الدلالة، وأرى أن شكل اللغة وتقنية الكتابة وأصالة الفكرة هي الثالوث الذي يميز كاتب عن آخر.

قاعدة انطلاق

● ما المصادر التي تنطلق منها في كتاباتك الأدبية؟

- المصادر التي تشكل قاعدة انطلاق ومتكأ لأعمال الكاتب، فهي متنوعة: المعيش، المقروء، المحكي المسموع، المرئي، فالعمل الإبداعي يسترفد عوالمه من كل ذلك وكل حكاية تبنى على حكاية سابقة، في حلقات متتابعة، متجاورة من المتناصات التي تؤثث أرض الأدب. ما يشكل مادة للكتابة موجود بشكل أو بآخر، وما يكتب هو ما يحتاج إلى أن يقنع ويمتع. الأصالة مطلوبة في الرؤية وطريقة إنتاج الدلالة.

● في بعض قصصك كما في "جبة بورخيس" يجيء الحوار على لسان الأبطال باللهجة المغربية، ألا يتعارض ذلك مع فهم النص من جانب القراء في دول عربية أخرى؟

- أنا لا أوظِّف اللهجة العامية في كتاباتي إلا نادراً جداً وهذا لا يمنع وجود روايات مكتوبة بالعامية بكل فصولها ومكوناتها، وثانياً على توظيفها بشكل مناسب ألا يثير حفيظة أحد بذريعة عدم الفهم، فنحن المغاربة نقرأ الأدب العراقي والسوري والسوداني والسعودي، وباقي الأدب العربي رغم ما يحتويه من مقاطع وملفوظات عامية أحياناً، ليست مفهومة بالضرورة، ولا أتحدث هنا عن الأدب المصري، بحكم ألفة الشعوب العربية مع اللهجة المصرية لدواع ثقافية تاريخية معروفة، فالرواية العربية وظفت العامية من زمن البدايات والنشأة الأولى مع رواية "زينب" لمحمد حسين هيكل، وتوظفها حتى الآن بشكل طبيعي لا يستهجنه أحد وإن رأى خلاف ذلك، وربما يقع على عاتق الشعوب العربية أن تستأنس باللهجة العامية المغربية أيضاً، متجاوزة ما تجده فيها من صعوبة مفترضة.

المعضلة الكبرى

● إلى أي مدى تعامل النقد بشكل جيد مع إبداعاتك؟

- النقد، تلك المعضلة الكبرى، وأعتبر أنني أحد أكبر الكتاب المغاربة والعرب تعرضاً للحيف في هذا الباب. ثمة كتب لي لم ينظر النقد إليها ولو خلسة، ولو مرة واحدة، وأرى من حقي أن أسائل هذا الصمت المريب، وأترك لأطراف الساحة الثقافية أن تتحمل مسؤولياتها، فالكل يشيد بما أقدمه من إنتاج أدبي إبداعي، لكن القليل من يترجم ذلك متابعة ونقداً، سواء على المستوى الوطني أو العربي ككل. وأن كل مجالات الحياة تعرف أناساً نزهاء، والنقد ليس بدعاً في ذلك وثمة نقاد وكُتَّاب اهتموا بعملٍ أو بآخر مما صدر لي، دون سابق معرفة شخصية مسبقة، وهذا شيء أعتز به.

جوائز كثيرة

● ما أهمية الجوائز لتحفيز الأديب على مواصلة الإبداع؟

- لم أحصل على جوائز كثيرة لأنني لا أشارك كثيراً في الجوائز، غالباً ما يحدث أن أعلم بوجود جائزة ما بعد أن تمنح. وأكيد أن الجوائز، رغم ما يمكن أن يُعاب عليها أحياناً من كونها موجهة أو متحيزة أو متمركزة حول أسماء بعينها، تشكل حافزاً للمزيد من الاشتغال، وخير مثال ما أحدثته جائزة "البوكر" في نسختها العربية من حركيّة في مجال الرواية العربية وإقبال متزايد على كتابتها، ويمكن التحذير هنا من أن يتحوَّل الكاتب إلى صياد جوائز فقط، بما يحمله ذلك من مخاطر على فعل الكتابة ذاتها.

● كل كتاب جديد يمثل محطة جديدة في مشوار الأديب.. حدثني عن محطتك الحالية "هو الذي رأى"؟

- هي محطات على الطريق، قد تكون المحطة أساسية، للتفكير والمراجعة وتوجيه القطار إلى أحياز جديدة، أو مجرد حلقة إضافية ضمن نسق للاستمرارية ومواصلة العطاء وفق نفس النهج والرؤية ومجموعة "الرقص تحت المطر" كانت محطة بارزة في مساري الأدبي كونها نقلة نوعية، أي من نوع سردي إلى آخر، بينما تضاف مجموعة "هو الذي رأى" إلى "قط شرودنجر" في انتظار صدور "العزف على القيثارة" المكتملة في مطلع السنة المقبلة وهي مجموعات تنتظم ضمن كتابة سردية تهتم بالقصير جداً وفق رؤية فنية لا تريد للإضمار أن يصير ضموراً في النص، ولا التكثيف تكتيفاً للكاتب تريد للقصة القصيرة جداً أن تكون قرصاً، بما يحيل إليه القرص من معان، أخص بالذكر معنيين منها: معنى القرص المضغوط المستعمل في مجال "الميلتيميديا" كي يقول الحكاية في شريط لغوي محدود مجرد من الزوائد، والقرص النازح من مجال الصيدلة كقرص للشرب درءاً للرداءة وطلباً للذة النص.

ثمة كتب لي لم ينظر النقد إليها ولو خلسة

أحذِّر من تحول الكاتب إلى صياد جوائز فقط
back to top