واشنطن تعيد إحياء الخصومة بين البرازيل والأرجنتين

نشر في 02-10-2019
آخر تحديث 02-10-2019 | 00:00
 وورلد كرانش استعمل الأكاديمي ألكسندر ويندت النموذج البنائي لتحليل الشؤون الدولية، فقسّم الدبلوماسية العالمية إلى ثلاث فئات مختلفة ترتكز على نظريات توماس هوبز، أو جون لوك، أو إيمانويل كانت. يمكن تعريف العلاقة بين أي دولتين بالعداوة أو الخصومة أو الصداقة، ووفق هذه الأطر المفاهيمية من الواضح أن العداوة لم تكن يوماً قائمة بين الأرجنتين والبرازيل، لكن طغت الخصومة على علاقتهما خلال عقود متعددة من القرن الماضي، ثم جمعتهما صداقة منذ الثمانينيات.

لكن تنذر الظروف الراهنة بالعودة إلى زمن الخصومة، وقد يصبح الوضع شائباً جداً وغير مناسب لأي طرف. تشتق معظم الإشارات المقلقة من البرازيل، في إطار مثلث العلاقات الحساس بين برازيليا وبوينس آيرس وواشنطن، فقد أثبتت التجارب التاريخية أن أضعف طرفَين في العلاقات الثلاثية غير المتكافئة يستطيعان أو يضطران للتعاون بهدف توسيع قدرتهما على التفاوض مع أقوى طرف، وإلا يزيد هذا الأخير هيمنته ويكسب ما يريده ويضمن في نهاية المطاف رضوخ أضعف الأطراف في أهم المسائل. وتؤدي محاولات إرضاء أي قوة عظمى إلى توسيع هامش الرضوخ دوماً، ففي عهد الرئيس جايير بولسونارو، تميل البرازيل على ما يبدو إلى تكرار استراتيجية برازيلية نموذجية تعود إلى زمن الستينيات والسبعينيات، وفي شهر يناير، صرّح الرئيس البرازيلي في إحدى المقابلات بعد توليه منصبه: "أؤمن بضرورة أن نتفوق في أميركا الجنوبية". في المجالَين الدبلوماسي والعسكري، طوّر بولسونارو درجة غير مألوفة من التقارب مع الولايات المتحدة، رغم تحفظات (لا انتقادات) بعض الأوساط في القوات البرازيلية المسلحة.

في شهر فبراير، وللمرة الأولى في التاريخ، تم تعيين جندي برازيلي، وهو الجنرال ألسديس فاليريانو دي فاريا جونيور، كنائب رئيس القيادة الجنوبية الأميركية. وفي مارس تم توقيع اتفاق ثنائي لإطلاق أقمار اصطناعية وصواريخ وسفن من قاعدة "ألكانتارا" البرازيلية، وجرت المصادقة عليه في أغسطس من جانب "لجنة العلاقات الخارجية" في الغرفة التشريعية السفلى البرازيلية. وفي مايو وقّعت وزارة الدفاع البرازيلية على اتفاق مع الحرس الوطني لولاية نيويورك في إطار "برنامج شراكة الدول" في البنتاغون. خلال الشهر نفسه، أعلن ابن الرئيس، إدواردو بولسونارو، رئيس "لجنة العلاقات الخارجية"، أنه يفضّل أن يصنّع بلده قنبلة نووية. وفي يوليو وضع ترامب البرازيل في خانة "الحليفة الرئيسة خارج الناتو".

يجب ألا ننسى أن وزارة الدفاع الأرجنتينية وقّعت اتفاقها الخاص مع الحرس الوطني لولاية جورجيا في ديسمبر 2016. وفي فبراير 2015، صادق البرلمان على اتفاق يسمح للصين بإنشاء محطة فضائية في "نيوكين"، على أن يتم تركيبها في عام 2017. كذلك، اعتبرت الولايات المتحدة الأرجنتين "حليفة رئيسة خارج الناتو" في عام 1998، خلال عهد كارلوس منعم.

في المجال الدبلوماسي، أعلن بولسونارو خلال حملته الانتخابية أن حكومته ستسعى إلى تقوية علاقة بلده بالولايات المتحدة، ولم تكن الأرجنتين وجهته الأولى بعد الانتخابات (وهو بروتوكول نموذجي مع جميع الرؤساء البرازيليين الجدد)، بل تشيلي والولايات المتحدة وإسرائيل. تقدّم الأرجنتين من جهتها تنازلات هامشية وأحادية الجانب للولايات المتحدة منذ منتصف 2017، على اعتبار أنها أفضل طريقة لحماية مصالحها. في ما يخص فنزويلا، قال وزير خارجية الأرجنتين، خورخي فوري، في يوليو إن مجموعة "ليما" للدول الإقليمية "ملتزمة بالتوصل إلى حل سلمي" هناك، لكن "يبقى استعمال القوة خياراً محتملاً في الوقت المناسب" برأيه.

في قطاع الاقتصاد، دعا بولسونارو خلال حملته إلى تقليص نفوذ السوق المشتركة الجنوبية "ميركوسور" مقابل توسيع الاتفاقيات الثنائية، وبعد الاتفاق التجاري بين "ميركوسور" والاتحاد الأوروبي، حذر وزير التجارة الأميركي ويلبر روس الموقعين الإقليميين، خلال زيارة له إلى البرازيل في شهر يوليو، من "حبوب السم" الكامنة في ذلك الاتفاق الذي يستطيع إعاقة أي صفقة تجارية مع الولايات المتحدة. فردّ وزير الاقتصاد البرازيلي، باولو غويديس، بشكلٍ أحادي الجانب قائلاً إن البرازيل أطلقت "رسمياً" محادثات لعقد اتفاق تجاري حر مع الولايات المتحدة. قد تستعمل البرازيل التوتر السائد مع الاتحاد الأوروبي في الملف البيئي كعذر لإبرام اتفاق مع واشنطن، بغض النظر عن رأي "ميركوسور". سبق أن هدد بولسونارو وغويديس بالتخلي عن هذا التجمع الإقليمي إذا فاز اليساري ألفريدو فرنانديز برئاسة الأرجنتين في أكتوبر.

يجب أن تضع حكومة الأرجنتين المقبلة مسألة تقييم علاقتها مع البرازيل على رأس أولوياتها، مع التركيز على تجنب العودة إلى الماضي، لكن تفرض هذه الخطوة على الأرجنتين عدم تسييس توجهات سياستها الخارجية وإعادة تصميم استراتيجيتها الثنائية مع البرازيل.

* خوان غابريال توكاتليان

* «وورلد كرانش»

back to top