تحاوروا وإلا! *

نشر في 30-09-2019
آخر تحديث 30-09-2019 | 00:09
 خولة مطر ماذا يعني أن نتخاصم؟ هل هي المقاطعة التامة أم أنها شيء مما بين بين، يردد هو أن تكون مثالياً وتعيد تكرار تلك العبارة "أحبوا بعضكم" في زمن كهذا، تبدو غير واقعية، حيث يتقاتل الزملاء على الوظائف والترقيات، ويتقاتل الإخوة على الإرث، ويزحف الكثيرون فوق كرامتهم للتقرب من المسؤولين وصانعي القرار إن كان هناك قرار حقا، فالجميع يعيش "بالبركة".

هل المطلوب أن نحب بعضنا أم أن نتعايش ونعيش ولا نترك الانقطاع سبيلا؟ كنا نقول إن الحوار هو الأهم، ولكن هل نفهم معنى الحوار؟ أسئلة كثيرة والعالم يتمزق إلى دويلات حتى أصبح للشارع رئيس وهو يتخاصم مع رئيس الشارع الموازي، ويتقاتل الجميع على بئر نفط أو نهر أو بحر، فالعطش قادم في "دويلات" لم تعرف أن تخلق اقتصاداً أصلا، حاولت أن تتبنى اقتصاد السوق فسقطت في اقتصاد الدولة الريعية، وعندما اشترت أصوات الناس بالمكرمات ما لبثت أن وقعت في الفخ، فالعالم بأجمعه يراجع مفهومه لاقتصاد السوق الذي نادى به، بل تغزل به الجميع، والآن هناك في كل العالم مراجعات له ودراسات وكتب حول هل هو الأنسب؟

عندما تزداد مساحة التنافس على الثروات أو حتى على مراكز القوى أو السيطرة على بلد أو منطقة ما ماذا يفعل المتنافسون؟ في دول لا مساحة فيها للآراء، بل هي ذات لون وصبغة واحدة بأجهزة إعلام بائسة، هنا لا يجد القائمون على هذه الدول سوى القطيعة والحصار، وتشتغل الماكينات الإعلامية لنشر خطاب الكراهية، ولأن الشعوب تعودت على "بلادة" الجري وراء الحاكم أو المسؤول فلا اعتراض ولا بُعد نظر ولا بصيرة!

يتقوقع الجميع، ويصعب على الفرد حتى ذاك الذي بدأ يرى في مثل هذه القطيعة وخطابات الكراهية خطراً قادماً على مستقبل بلده بل وطنه وربما على كل المحيط، أن يجد وسيلة تطرح الأسئلة ولا تعاند وتعارض الرأي السائد، ومن يفعل فهو كمن يردد هم "يحاربون طواحين الهواء"، دونكيشوت حتى العظم كما يقولون!

وحتى عندما يقترب الخطر حتى يكون عند أبواب مدننا وشواطئنا، تبقى المكابرة ورفع السيف كما حروب الجاهلية الأولى، أو تلك الشعارات التي سادت في مرحلة ما "لا تصالح"! وفي حين كانت تقال للعدو الأول الذي تحول إلى الصديق الأول، أصبحت موجهة إلى الأخ والصديق والجار الذي قد لا نحب ولا نتفق معه، ولكن الجغرافيا أقوى من كل العوامل الأخرى، فعندما غزا العراق الكويت كرر الكويتيون: هل نستطيع أن نبعد الكويت وجدودها عن ذلك الجار؟

عند حديثنا عن تلك الظاهرة المنتشرة، تقول هي بحرقة قلب "لا أستطيع أن أصافح وأتعامل مع أيد لُطخت بالدماء"، وآخر يردد كيف أحاور من أفسد في الأرض، ودمر مستقبل أولادي بل أحفادي، وراكم علينا الديون، وذاك الذي خلق الفرقة بين الشعب، بل بين الأخ وأخيه والزوج وزوجته؟ ويقول لنا من مروا قبلنا بمئات السنين إن الحوار لا يكون إلا بين المختلفين، والمفاوضات هي في الكثير من الأحيان بين ما يسمى "الأعداء"، وإلا لماذا يتصالح من هم متفقون؟ وهل رأيتم دولتين متفقتين عملتا صلحاً؟

وآخرون يذكرون بحروب كانت، ورؤوس قطعت، وشوارع سقيت بدماء الكثير من الأبرياء، فوقود الحروب كلها هم الشعوب والفقراء لا من أشعلوا الحروب، حتى الجيوش أصبحت وسيلة لامتصاص أبناء المعوزين الذين تقطعت بهم سبل العلم والعمل.

الحوار هو وسيلة وليست "كليشيها" إعلاميا، ككل العبارات التي تحولت هي الأخرى إلى مواد استهلاكية حتى فقدت قيمتها ومعناها، فعندما يردد المتسلط عبارات مثل الشفافية والديمقراطية والمشاركة وفئات الشعب، و... و.... تتحول هي الأخرى إلى مادة ممجوجة تذكرنا بالحوار ذاته الذي دار بين أبناء إحدى "ثورات الربيع العربي" في تلك البلدة التي حوصرت حتى تحول أهلها إلى أشباح في ظلمة ليلة ممطرة، عندما تساءل شبابها المتواضعون في العلم والمعرفة: "ألا يحق لنا أن يكون لنا برلمان منتخب ونظام ديمقراطي كما الدول المجاورة، ضحك السامعون لهم القادمون من تلك الدول حتى سقطوا على ظهورهم، والشباب الحائرون ينظرون باستغراب شديد: من قال لكم إننا أصلاً نفهم معنى الحوار، وما هي هذه البرلمانات سوى تغطية لضعف وفساد ومظاهر خداعة، إن لم نعرف ماذا يعني الحوار بالممارسة الواقعية والصريحة وليس ببوس اللحى والمجالس الخاوية إلا من كثير من النفاق، إن لم نفهم معناه فسيكون مصيرنا كدولة الأندلس.

* ينشر بالتزامن مع "الشروق" المصرية

back to top