زلزال سياسي!

نشر في 25-09-2019
آخر تحديث 25-09-2019 | 00:20
 أ.د. غانم النجار لم يتوقع أغلبية المراقبين والفاعلين السياسيين، ما جرى يوم الاثنين الفارط.

فقد جاء الحكم التاريخي، الذي أصدرته المحكمة العليا البريطانية، برفض قرار تعليق رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون عمل البرلمان، مدة خمسة أسابيع، بمثابة "زلزال سياسي".

أعاد حكم المحكمة مفهوم سيادة القانون إلى ما يفترض أن يكون، وربما أعاد شيئاً من ثقة كانت آخذة في التراجع لمفهوم الديمقراطية البرلمانية، حيث لا تهيمن فيها السلطة التنفيذية (الحكومة)، على مقدرات الأمور، وتجعل السلطة التشريعية (البرلمان) مجرد مكمل للحكومة أو تابع لها.

كانت التوقعات في أغلبها تتجه إلى حكم مخفف، أو في أحسن حالاته يصدر كانقسام بين القضاة الأحد عشر الذين تتشكل منهم المحكمة العليا، إلا أن القرار صدر بإجماع الـ١١ قاضياً على أن ما فعله رئيس الوزراء كان مخالفاً للقانون، وأن تعليق البرلمان، خمسة أسابيع، يؤدي إلى إعاقة البرلمان عن القيام بواجبه في مراقبة الحكومة.

وذهب الحكم التاريخي إلى أن البرلمان لم يتم تعليقه منذ العاشر من سبتمبر، وأن القرار كأن لم يكن، وأنه في حال انعقاد. وعلى أثر ذلك أعلن رئيس البرلمان البريطاني جون بيركاو، دعوته للانعقاد اليوم الأربعاء الساعة الحادية عشرة والنصف صباحاً، مضيفاً أنه لا يوجه دعوة لعودة البرلمان من تعطيله، إذ إنه بحسب الحكم لم يتعطل، بل لاستمرارية الجلسات العادية.

بالطبع لا حاجة لمقارنة هذا بالأوضاع عندنا، وبالتأكيد لا يمكن المقارنة بالأوضاع في المنطقة، فهي خارج نطاق التغطية، إلا أن القرار التاريخي يأتي معاكساً لتوجهات آخذة في التصاعد نحو مزيد من الاستئثار بالسلطة، حتى في المجتمعات الغربية، مع صعود الشعبوية، والتمييز، وخطاب الكراهية.

اللافت في الموضوع أن هذا القرار التاريخي كان نتاجاً لتحرك مستمر ودؤوب من سيدة الأعمال جينا ميلر، التي خسرت في المرحلة الأولى حين رفضت المحكمة طلبها، ولكنها عادت للمحكمة العليا مرة أخرى لتحقق مكسباً تاريخياً للديمقراطية.

الحكم هو بمثابة كارثة سياسية بالنسبة إلى رئيس الوزراء بوريس جونسون، الموجود حالياً في نيويورك والذي تكاثرت الدعوات المطالبة باستقالته واعتذاره للشعب، إلا أنه أعلن من هناك احترامه للحكم مع اختلافه معه، رافضاً الاعتذار، وهو مستمر في عمله للخروج من الاتحاد الأوروبي بـ ٣١ أكتوبر، وكأنه زعيم بريكست لا رئيس لوزراء بريطانيا. الديمقراطية في أساسها، تفصل السلطات عن بعضها، ولا تسمح لسلطة بالسيطرة على أخرى، ولا تمنع البرلمان من مراقبة الحكومة، وهنا تكمن أهمية الحكم، أما عدا ذلك بما فيه "بريكست"، فمجرد تفاصيل.

back to top