غنوة فضة: «قمر موسى» محاولة لاستقراء الجمال الإنساني

روايتها تشكل نصاً أدبياً يفصل طبقات المجتمع

نشر في 22-09-2019
آخر تحديث 22-09-2019 | 00:13
غنوة فضة
غنوة فضة
تصفيق من القلب للأديبة السورية المبدعة غنوة فضة ستقوم به حين تقرأ أياً من أعمالها، وخصوصاً روايتها البديعة الشائقة "قمر موسى"، التي تلقي هالة ضوء على فئة ذوي الاحتياجات الخاصة في مجتمعنا، كما تحاول إعادة استقراء الجمال الإنساني الذي تساقط، وفق ما قالت في حوار أجرته معها "الجريدة" من القاهرة، لافتة إلى أن الأدب هو المجال الذي نستطيع من خلاله رسم الحياة التي نريدها أن تكون.
وفيما يلي نص الحوار:

● "قمر موسى" ترصد طبقية المجتمع فقط أم ثمة رسالة أشمل وأعم؟

- لا شك أن رواية "قمر موسى" تشكل نصاً أدبياً يفصل بشكل تمايزي واضح طبقات المجتمع، لكنها لا تنحصر ضمن ذلك الإطار فحسب، بل تتعدى ذلك لتكون بمنزلة رسالة أو نداء إغاثي إنساني، مطلبه ليس خارجاً من المدينة الفاضلة، ولا يفترض يوتيوبيا أفلاطونية مثالية، إنما هو مطلب بسيط، مضمونه عودة الإنسان للتحلي بالأخلاق الإنسانية المفقودة، تلك الأخلاق التي انمحت وتساقطت في ظل تبلور المجتمعات بالصورة الحداثوية المادية التي صارت تنادي بتعزيز الفردية والتوحش الثقافي والاجتماعي لو صح التعبير.

الرواية تفترض عالماً نشتاق أن يكون عليه في ظل زيفٍ ورياء نحتت ذئاب الحرب شكله وهي محاولة لإعادة استقراء الجمال الكامن فينا، ومحاولة لتكريس ما دعا إليه كافكا في قوله: "من يحافظ على رؤية الجمال من حوله لا يشيخ".

عالم واسع

● برأيك إلى أي مدى يحتاج القارئ العربي لنوعية هذه الروايات التي تتناول عالم ذوي الاحتياجات الخاصة؟

- عالم الكتابة والأدب، عالم واسع، شامل لا يحده حد، والأدب هو المجال الأول الذي نستطيع من خلاله رسم الحياة التي نريدها أن تكون، طالما أن محوره الأساس هو "الإنسان" وما يخدم حياته معرفياً بالدرجة الأولى، وبالتالي حتى يتحقق ذلك التكامل المعرفي، لابد أن نتناول في الكتابة كل ما يتعلق بحياة الإنسان ومن كل النواحي.

الجميع يكتب عن الحب، الحرب، الهجرة، وذلك واجبٌ وحق في آنٍ معاً، فلم لا تختلف موضوعاتنا وأهدافنا ورؤانا طالما أنها تصب في مجرى واحد هو رفع قيمة الإنسان والتسامي بها؟ لم لا نضع قليلاً من الضوء على قضايا إنسانية لفئةٍ تستحق أن تكون محورية في مجتمعاتنا!

الهيئة الروائية

● تنشرين قصصاً في عددٍ من الدوريات الثقافية، لمَ خرجت "قمر موسى" في قالبٍ روائي وليس قصصياً؟

- خروج النص بتلك الهيئة الروائيةِ كان لخدمة موضوعها ومدلولاتها والمقولة التي تريد إيصالها للقارئ.

نعم أكتب القصة القصيرة، ولكن لكل مقامٍ مقال، ولكل فكرة صياغة أدبية تناسبها وتعبر عن تطلعاتها وتعمل على تعميق حضورها بقوة ولا أنكر ميلي الأكبر لقراءة الرواية وكتابتها، وهذا لا ينقص من قيمة القصة القصيرة كجنس أدبي معاصر له رواده، إلا أن الرسالة التي أردت إيصالها عبر روايتي والهدف الذي أردته من "قمر موسى" تطلب الخروج على شكل روائي بحت.

قيمة معرفية

● هل ثمة خطوط حمراء يقف عندها قلمكِ ولا يتجاوزها؟

- كل نص لا يحقق قيمة معرفية تكاملية لقارئهِ ولا يحرك المياه الراكدة في الفكر الإنساني أقف أمامه مطولاً، وأرفض أن يبصر النور، كل كتابة مزيفة لا تخرج من جذر الواقع والمجتمع المعيش، هي كتابة مرفوضة ولا تستحق أن تخرج للعلن، أو بصورةٍ أخرى كما يقول بوكوفسكي: "إن لم تخرج منك منفجرةَ لا تفعلها، إن لم تخرج من عقلك وفمك وأحشائك فلا تفعلها" وهو يقصد الكتابة، لذا خطي الأحمر هو كل كتابة لا تشبهني وتخرج بصورة زائفة وغير صادقة.

فالكاتب كائن مبدع وخلاق لفكر، والفكر الذي يقدمه يجب أن يكون منسجماً مع شخصيته وتطلعاته ورؤيته التي يراها القراء بعدسته فقط.

● أيهما تكتبين وعينك عليه: القارئ أم الناقد؟

- في الكتابة عيني على النص قبل أي شيء، أما بالدرجة الثانية فأنا أتوجه لكليهما، للقارئ أولاً والناقد تالياً.

● القارئ يمنح الحياة للعمل الأدبي، صحيح أنه يبحث على عكس الناقد، عن المتعة الجمالية، ولكن ما الغاية من كتابة كتابٍ تمنحه لمؤسسة أكاديمية أو لصرحٍ نقدي رفيعٍ قبل أن يتوجه للقراء أولاً؟

- هذا ليس تقليلاً من قيمة النقد بل تكريساً لقيمة العمل الأدبي الذي أراه لا يخصب ويزدهر إلا بيد القراء العاديين، أما المجال تالياً فهو مفتوح للناقد الذي يمنح كاتب العمل فرصة لإعادة مراجعة نفسه، شرط أن يكون النقد تقويماً وتصويباً، أن يكون نقداً بناءً وخدمةً للعملية الإبداعية، يضع العدسة لما وراء النص، ويبتعد عن التجريح والعلاقة الشخصية بالكاتب.

● علاقتكِ بالأطفال كمعلمة ألا تدفعكِ لتقديم عمل أدبي للطفل، في ظل شح ما يقدم للطفل عربياً على مستوى جيد؟

- لا شك أن عملي كمعلمة أثر وسيؤثر في كتاباتي، وهو ما ستراه قريباً في العمل القادم، دون أن أغفل عن تجربتي مع مدارس منظمة اليونيسيف لسنوات.

ربما أكتب للطفل لاحقاً، وهي الكتابة الأصعب كما أجدها، إلا أنني حالياً أتوجه لنصوص قادمة توجه لتعديل النظرة إليه ضمن ظروف مجتمعية قاسية: كعمالة الأطفال، والنزوح، ورزوحهِ تحت نير العادات الاجتماعية والأعراف الصارمة.

● ما جديدك الذي سيخرج إلى النور قريباً؟

- أنتظر قريباً صدور مجموعة قصصية هي قيد الطباعة، في ظل تبلور صورة روايتي القادمة في ذهني بصورة شبه كاملة.

كل كتابة مزيفة لا تخرج من جذر الواقع مرفوضة ولا تستحق العلن

الجميع يكتب عن الحب والحرب والهجرة وذلك واجبٌ وحق في آنٍ
back to top