الانتصار السياسي الذي قد يغير مستقبل إيطاليا

نشر في 20-09-2019
آخر تحديث 20-09-2019 | 00:00
الانتخابات التشريعية التي قد تغير مستقبل إيطاليا السياسي
الانتخابات التشريعية التي قد تغير مستقبل إيطاليا السياسي
قد ينسى الناخب الإيطالي العوامل التي ميزت أداء الحكومة الحالية عما قريب، ففي عام 1994 وصل بيرلسكوني الذي كان الشعبوي الصاعد في تلك الفترة الى منصب رئيس الوزراء، وبعد عدة أشهر عمد شريكه في الائتلاف وهو حزب ليغا إلى سحب البساط من تحته وشكل حكومة مع اليسار.
أقدم زعيم حزب ليغا اليميني في إيطاليا ماتيو سالفيني في الشهر الماضي على خطوة لافتة ميكافيلية وهو يأمل في الاستفادة من شعبيته الصاعدة، وذلك بإسقاط حكومته من أجل إجراء انتخابات نيابية تعيده إلى الحكم بقوة ساحقة، ولكن المفاجأة تمثلت في قدرة حزبه– حركة الخمسة نجوم– على تشكيل حكومة جديدة مع الحزب الديمقراطي المعارض من يسار الوسط.

وهكذا أسهم سالفيني في تحويل ما بدت مثل لحظة انتصار تاريخية لجناح اليمين الى فرصة رئيسة لليسار، وقد أقدم سالفيني على تسديد هدف في مرماه بطريق الخطأ وسوء التقدير.

ويقول سكرتير الحزب الديمقراطي نيكولا زنغاريتي إن «فكرة إنقاذ بلدنا من خلال نقلها الى الشعبوية الخطرة اعتماداً على الكراهية كانت هي المهيمنة». وعندما تم الإعلان عن تشكيل الائتلاف الجديد تنفس الكثير من المعلقين الصعداء لأن إيطاليا منعت حدوث «أوربانة» البلاد أو ظهور حكومة يمين متطرفة برئاسة سالفيني تتبع النموذج الدكتاتوري لرئيس الوزراء الهنغاري فيكتور أوربان.

ولكن تمكن الحكومة الجديدة من منع صعود جناح اليمين الشعبوي بصورة أكثر من مؤقتة سيتوقف على قدرتها على تحسين مستويات المعيشة في إيطاليا ووضع حد للاتجاهات التي جعلت ذلك البلد واحداً من أضعف الحلقات في الاتحاد الأوروبي، وإصلاح هذا الوضع يتطلب جهداً ضخماً من أي حكومة ناهيك عن حكومة مكونة من حزبين يعاني كل واحد منهما انقسامات داخلية حادة، وكانا في منافسة مستمرة انتهت قبل أسابيع قليلة فقط، وبكلمات أخرى إذا لم تبدأ إيطاليا بإصلاح المشاكل التي مهدت السبيل لهيمنة سالفيني فسيتمكن من خوض أي انتخابات نيابية في المستقبل.

التراجع الاقتصادي

في أوائل التسعينيات من القرن الماضي كان الناتج المحلي الإجمالي الإيطالي يوازي مثيله في المملكة المتحدة، ولكنه تراجع اليوم بأكثر من 30 في المئة، وفي حقيقة الأمر فقد تراجع بنحو 10 في المئة عن مستواه قبل الأزمة المالية العالمية في 2007– 2008، ومنذ الأزمة أصبحت إيطاليا أيضاً الوجهة المفضلة للاجئين الذين كانوا يبحثون عن طرق تنقلهم الى أوروبا من شمال إفريقيا، وفي عام 2012 وصل أكثر من 13 ألف مهاجر غير شرعي الى الموانئ الإيطالية، ولكن العدد ارتفع الى 170 ألفاً في عام 2014 والى أكثر من 181 ألفاً في عام 2016.

وفي الوقت نفسه، انطلق ما يقارب العدد ذاته من الشبان الإيطاليين الى خارج البلاد سعياً وراء فرص عمل أفضل، وهي خطوة خطيرة تمثل هجرة أدمغة تعكس التشاؤم في أوساط أولئك الشباب بالنسبة الى مستقبلهم.

وعلى الرغم من أن الهجرة الى إيطاليا والى خارجها لم تكن في العادة مترابطة بالنسبة الى المواطن الإيطالي فإنها خلقت الانطباع بأن ذلك البلد يسير في الاتجاه الخطأ الى حد كبير، وقد وفرت هذه الظاهرة السلبية فرصة بالنسبة الى سالفيني الذي اعتمد على شعار «إيطاليا أولاً» ووعد بوضع حد لموجة الهجرة غير الشرعية. كما وفرت فرصة مماثلة لحزب الخمس نجوم لشن حملة ضد المؤسسة السياسية الإيطالية.

في غضون ذلك أصبح الحزب الديمقراطي الذي كان الحزب الرئيس في السلطة في الفترة بين 2013 و2018 يتمتع بمسؤولية مالية، وحاول جاهداً اصلاح الاقتصاد الإيطالي مع احترامه لقيود الانفاق التي فرضتها بروكسل والبنوك الأوروبية اضافة الى فرض إجراءات تقشف قلصت شعبيته الى حد كبير.

انتخابات عام 2018

في انتخابات عام 2018 برز حزب الخمس نجوم كأكبر حزب في إيطاليا ونال أكثر من 32 في المئة من أصوات الناخبين، وحصل حزب ليغا برئاسة سالفيني على 17 في المئة من الأصوات مرتفعاً بنسبة 4 في المئة عن أرقام عام 2013. وعندما وصل الى صفوف الحكم طالب سالفيني بذكاء واضح بالحصول على منصب وزير الداخلية وبدأ باعادة زوارق اللاجئين ومنعهم من دخول البلاد، وهي خطوة أغضبت المنظمات الانسانية، لكنها عززت شعبيته في إيطاليا.

وتمكن سالفيني الذي كان يعول على زيادة شعبيته من دفع الائتلاف الحكومي نحو اليمين بقدر أوسع كما تمكن من شق صفوف حزب الخمس نجوم، وأصبح التغير في ميزان القوى واضحاً في الانتخابات الأوروبية التي جرت في شهر مايو الماضي، فقط ضاعف حزب ليغا بشكل تقريبي حصته من الأصوات ونال 34 في المئة في حين هبطت نسبة حزب الخمس نجوم الى 17 في المئة. واعتماداً على هذه الحصيلة الجديدة أطاح سالفيني حكومته في 8 أغسطس الماضي وكان يفترض أن الانتخابات ستعقب تلك الخطوة وأنه سيبرز كأقوى سياسي في إيطاليا.

لكنه نسي أن في البرلمان الحالي الإيطالي كان لدى حزب الخمس نجوم والحزب الديمقراطي من المقاعد عدداً كافياً للحصول على أغلبية، وعلى أي حال كانت أكثرية الناخبين من حزب الخمس نجوم تميل نحو اليسار لا الى جناح اليمين وحاول الحزب الديمقراطي جاهداً تحقيق تحالف مع حزب الخمس نجوم في عام 2013، ولكن الأخير رفض ذلك مما أرغم الحزب الديمقراطي على العمل مع حزب فورزا إيطاليا برئاسة رئيس الوزراء السابق سيلفيو برلسكوني. وكانت خطوة حزب الخمس نجوم تعتمد على أن ائتلاف اليسار-اليمين سيتعرض الى متاعب في الحكم وأن فشله هذا سيشوه صورة الحزب الديمقراطي في أوساط الشعب، ولكن بمجرد تردي شعبية حزب الخمس نجوم كان الحزب مستعداً تماماً لاجراء صفقة سياسية.

فرصة سالفيني

قد تعمل غلطة سالفيني لمصلحته على الرغم من كل شيء، واقتراب تشكيل حكومة جديدة تنقذه من تبعات النتائج المتواضعة التي حققها ائتلافه خلال وجوده في الحكم طوال 14 شهراً، وعلى الرغم من المشاكل التي عززت صعوده وكانت حقيقية تماماً فإن الحلول التي عمد الى طرحها كانت ديماغوجية فارغة.

وأظهرت اعادة المهاجرين أنها أكثر سهولة من تحسين الاقتصاد الإيطالي، وكان جوهر خطة حزب ليغا الاقتصادية هو خفض سن التقاعد في إيطاليا من 66 سنة وفي بعض الحالات تشجيع العمال على التقاعد في أواخر الخمسينيات أو أوائل الستينيات من العمر. وكانت الغاية من هذه الخطوة توفير فرص عمل لشريحة الشباب ولكن خفض سن التقاعد في مجتمع يهرم بسرعة فكرة كارثية سيئة، وسيضطر الشباب عندئذ الى رعاية عدد أكبر من المتقاعدين، كما أن منع دخول المهاجرين لم يسهم في تحسين الاقتصاد الإيطالي الذي بدأ ينكمش خلال فترة الـ 14 شهراً من حكم ائتلاف خمس نجوم – ليغا.

وفي وسع حكومة الخمس نجوم؛ الحزب الديمقراطي الجديدة اصلاح هذا الوضع، ولكن مع التعرض لخطر كبير، وديون إيطاليا تصل الى 132 في المئة من ناتجها المحلي الاجمالي– نحو 50 في المئة أعلى من معدل الاتحاد الأوروبي– وهو ما يترك لإيطاليا القليل من الهوامش من أجل الاقتراض أو الانفاق لتحفيز النمو. وتنفق إيطاليا نحو نصف ما تنفقه الدول الصناعية الأخرى على البحوث والتطوير، وتصل نسبة الخريجين من الجامعات في إيطاليا 23 في المئة فقط مقارنة مع 33 في المئة في أميركا و40 في المئة في بريطانيا.

من جهة اخرى وفي الوقت نفسه تعتبر معدلات الضريبة الشخصية في إيطاليا بين الأعلى في العالم، وسيشكل إصلاح الهبوط الاقتصادي في إيطاليا قبل موعد الانتخابات في عام 2023 هدفاً صعباً حتى بالنسبة الى حكومة موحدة لديها تفويض قوي ناهيك عن حكومة مكونة من حزبين اشتهرا بعدم الثقة المتبادلة.

وعلى الرغم من ذلك قد ينسى الناخب الإيطالي هذه العوامل التي ميزت أداء الحكومة الحالية عما قريب، ففي عام 1994 وصل بيرلسكوني الذي كان الشعبوي الصاعد في تلك الفترة الى منصب رئيس الوزراء، وبعد عدة أشهر عمد شريكه في الائتلاف وهو حزب ليغا بسحب البساط من تحته وشكل حكومة مع اليسار.

ويوجد عامل خارجي يمكن أن يحقق فارقاً مهماً بالنسبة الى فرص سالفيني وهو الاتحاد الأوروبي، وسيرتكب القادة في بروكسل خطأً فادحاً إذا افترضوا أن في وسعهم العودة الى العمل بشكل عادي مع وجود حكومة صديقة للاتحاد الأوروبي في روما، وبكلمات أخرى ما لم تتخذ الحكومة الحالية مع حلفائها في بروكسل خطوات راسخة وذات معنى من أجل تحسين مستوى معيشة المواطن الإيطالي العادي فقد يتأخر وصول سالفيني الى الحكم لكنه لن يفقد فرصته بصورة نهائية في الوقت الراهن على الأقل.

ألكسندر ستيل- فورين أفيرز

منع دخول المهاجرين لم يسهم في تحسين الاقتصاد الإيطالي الذي بدأ ينكمش خلال فترة الـ 14 شهراً من حكم ائتلاف خمس نجوم – ليغا

معدلات الضريبة الشخصية في إيطاليا تعتبر من النسب الأعلى في العالم
back to top