الإخلال بعقود الدولة

نشر في 19-09-2019
آخر تحديث 19-09-2019 | 00:30
 د.  عبدالعزيز سلطان العيسى لكي تكون العقود بين الدولة وشركات الإنشاء، وبينها وبين المكاتب الاستشارية الهندسية منصفة للطرفين، لابد أن تتصف بثلاثة أمور، الأول: الحيادية (Neutrality) لحفظ حقوق الطرفين، وألا يطغى طرف على حساب الطرف الآخر، والثاني: تحديد المسؤوليات بشكل واضح ودقيق لتحاشي فوضى تداخل المسؤوليات وتبعاتها الفنية والمالية والقانونية، والثالث: أن تكون متزنة بحيث تعطي طرفي العقد حقوقاً متساوية. الإخلال بعقود الدولة له أوجه كثيرة ومتشعبة، وفي هذا المقال سنتعرض للإشكاليات الثلاث آنفة الذكر.

وعقود الدولة مستوحاة أصلاً من عقود الفيديك (Fidic) الصادرة عن الاتحاد الدولي للمهندسين الاستشاريين، وهي من أقدم العقود وتزيد على مئة سنة، وتتطوّر بصورة دائمة كنتيجة لحوارات فنية متواصلة في لجنةٍ أعضاؤها من المهندسين الخبراء في جميع حقول الهندسة المدنية، وخصوصاً المتخصصين في الصناعة الإنشائية، ولكن أدخلت عليها تعديلات وإضافات من قبل جهات قانونية ليس لها إلمام ألبتة بالقضايا الهندسية وتداخلاتها، وليسوا مطّلعين على قوانين الإنشاءات (Construction Laws) التي تدرّس في الجامعات الأميركية وغيرها، فأدت تعديلاتهم وإضافاتهم إلى خلط جميع الأوراق، وأنتجت في نهاية المطاف عقوداً محورة غير حيادية، ولا تحدد المسؤوليات بشكل واضح ودقيق، وغير متزنة. ولذلك سوف نتعرض لما يميز عقود "الفيديك" ومقارنتها بعقود الدولة.

عقود الفيديك تتميز بالحيادية والدقة في تحديد المسؤوليات ومتزنة من ناحية الحقوق، وهذه صفات العقود المنصفة والعادلة، فعقود الفيديك لا تميل إلى طرف على حساب الآخر، أي أنها حيادية بمعنى الكلمة ومسؤولية الطرفين محددة بشكل واضح ودقيق، فمثلاً مسؤولية أي خطأ في التصميم تقع على عاتق المكتب الاستشاري الذي قام بتصميم المشروع، ومسؤولية أي خطأ في التنفيذ تقع على عاتق مقاول الإنشاء. كما تتميز عقود الفيديك بالاتزان وذلك بإعطاء طرفي العقد نفس الحقوق والالتزامات، فمثلاً أعطي للمالك الحق في فسخ العقد أو سحب الأعمال والتنفيذ على الحساب إذا أخل المقاول بأي من الالتزامات الواردة في العقد، كما أعطى للمقاول الحق في فسخ العقد إذا أخفق المالك بالتزاماته المالية كالتأخير في دفع مستحقاته حسب العقد.

وعقود الدولة الحالية أعطت حقوقاً للدولة على حساب شركات الإنشاء والمكاتب الاستشارية الهندسية ففقدت حياديتها، وأدخلت المكتب الاستشاري المشرف في المسؤولية، فسببت فوضى في تحديد المسؤولية في حالة أي خطأ في تنفيذ المشروع، ففقدت وضوح المسؤولية وأعطت الدولة نفسها حقوقاً، وغضت النظر عن إعطائها للطرف الآخر، فمثلاً باستطاعة الدولة فسخ العقد في حالة إخفاق المقاول بشروط العقد، ولكنها لم تعطِ المقاول حق فسخ العقد في حالة إخفاق الدولة في دفع مستحقات المقاول المالية في الفترة المحددة في العقد ففقدت اتزانها.

وحل هذه الإشكاليات هو العودة إلى عقود الفيديك (الشروط العامة والخاصة)، وهذا من شأنه أن يخفض عدد القضايا ويحفظ المال العام ويحقق العدالة لجميع الأطراف.

back to top