ما معنى «الشراكة الاستراتيجية» بين الولايات المتحدة وفيتنام؟

نشر في 18-09-2019
آخر تحديث 18-09-2019 | 00:00
 ذي دبلومات في خضم التخطيط لالتزامات رفيعة المستوى في الأشهر القليلة الماضية، زاد الكلام عن احتمال رفع العلاقات الأميركية الفيتنامية رسمياً إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية مستقبلاً. قد لا تكون هذه الفكرة بحد ذاتها جديدة، لكن تستحق تداعياتها انتباهاً دقيقاً، نظراً إلى انعكاسها على الروابط الثنائية والتطورات الإقليمية والدولية عموماً.

أحرزت العلاقات الأميركية الفيتنامية تقدماً كبيراً مقارنةً بما كانت عليه منذ حرب فيتنام. صحيح أن تطبيع العلاقات التدريجي بدأ في عهد بيل كلينتون واستمر خلال العهدَين اللاحقَين، لكن بدا رفع مستوى العلاقة إلى درجة الشراكة الشاملة في عام 2015، خلال عهد باراك أوباما، لافتاً على نحو خاص.

كانت إعادة تصنيف العلاقة مهمة في أوساط صانعي السياسة في البلدَين معاً، فقد عكست جهود واشنطن لتوسيع شبكة تحالفاتها وشراكاتها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وزيادة أهمية فيتنام في تلك الشبكة، إلى جانب شركاء شاملين آخرين، على غرار ماليزيا وإندونيسيا، كما سلّطت الضوء على الفرص والتحديات أمام هانوي حين تصبح الولايات المتحدة جزءاً من شراكاتها الكبرى.

وسط خليط من الأحداث غير المسبوقة والتحديات الجديدة في عهد ترامب، منها عناوين رنانة مثل «أول حاملة طائرات أميركية تزور فيتنام»، أو «نظرة دقيقة على الميزان التجاري بين الولايات المتحدة وفيتنام»، تسري أنباء عن احتمال وضع العلاقة الثنائية بمصاف الشراكة الاستراتيجية. سُجّل هذا التطور تزامناً مع التخطيط لالتزامات مهمة، أبرزها زيارة محتملة لزعيم الحزب الشيوعي ورئيس فيتنام نغوين فو ترونغ إلى الولايات المتحدة، غداة أول زيارة له على الإطلاق إلى واشنطن في عام 2015. كان ذلك الحدث تطوراً تاريخياً في العلاقات بين البلدَين.

الكلام عن هذه الخطوة ليس مفاجئاً بأي شكل، ربما لم يكن هذا التطور بحد ذاته دراماتيكياً بقدر ما توقعت عناوين الأخبار، لكنه يحمل أهمية معينة، ونظراً إلى الإرث التاريخي للعلاقات الأميركية الفيتنامية والاختلافات المعاصرة المستمرة في مجالات متعددة، بدءاً من نوع نظام الحكم وصولاً إلى حقوق الإنسان، ستؤدي أي خطوة مماثلة إلى تعزيز التقارب الاستراتيجي المتزايد بين البلدين وتؤثر أيضاً على البيروقراطية والرأي العام ومواضيع إقليمية أخرى.

كذلك، قد يترافق هذا التصنيف مع تداعيات تتجاوز الروابط الثنائية، نظراً إلى توسّع المنافسة بين الولايات المتحدة والصين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ ودور فيتنام في مشاكل إقليمية مثل بحر الصين الجنوبي، حيث تستمر الصين بفرض سيطرتها بلا رادع فيما تتعرض هانوي لضغوط متزايدة.

على صعيد آخر، زاد السياق الإقليمي والدولي الميل إلى التدقيق بالاصطفافات القائمة، بين مختلف البلدان والولايات المتحدة أو الصين، سواء تعلقت بمبادرات مثل المنشآت الدفاعية الجديدة، أو «استراتيجية الهند والمحيط الهادئ الحرة والمفتوحة» التي اتّضحت خطوطها العريضة للمرة الأولى علناً خلال ملاحظات ترامب في قمة «منظمة التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ» في فيتنام، في عام 2017.

هذه العوامل مهمة لأنها جزء من الحسابات التي يأخذها صانعو السياسة بالاعتبار لتقييم تكاليف ومنافع التحولات العامة في الاصطفافات القائمة، فضلاً عن جوانب أكثر دقة مثل التوقيت وتوجيه الرسائل. ليست مصادفة مثلاً أن تؤجّل فيتنام بعض الخطط الدفاعية مع الولايات المتحدة، رغم المكاسب المتوقعة منها، فيما توافق في الوقت نفسه على خطط جديدة في علاقات أساسية أخرى تجمعها بالاتحاد الأوروبي واليابان مثلاً.

لكن لا تعني هذه المخاوف أن الشراكة بين الولايات المتحدة وفيتنام غير واقعية أو غير مرغوب فيها. رغم التقلبات في الروابط الثنائية، من الواضح أن النزعات الاستراتيجية بوضعها الراهن تقود واشنطن وهانوي نحو تعزيز الاصطفاف بينهما بدل إضعافه، بغض النظر عن التسميات المستعملة في العلن، لكن يجب أن يؤكد الطرفان في المقابل على تماشي وقائع العلاقة مع التصنيف الذي يختارانه في الوقت المناسب.

في نهاية المطاف، تتحدد أهمية الاصطفافات بمدى استعداد الطرفين لتحويل النقاط المشتركة إلى تعاون واقعي، وهذا ما أثبته خليط التحالفات والشراكات الضعيفة والقوية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. لن تكون العلاقة بين الولايات المتحدة وفيتنام بمعزل عن هذه الاعتبارات، ولن يستند الحكم عليها إلى مقارنة وضعها الراهن بالماضي، بل إنه يتوقف على وجهتها النهائية المنشودة نظراً إلى أهمية القواسم المشتركة بين البلدين، رغم الاختلافات المستمرة حتى الآن.

* براشانث باراميسواران*

* «ذي دبلومات»

back to top