وجهة نظر : من صدمة نيكسون إلى عقوبات ترامب

نشر في 13-09-2019
آخر تحديث 13-09-2019 | 00:25
 سعد جزاع العدواني لم تكن قرارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الحرب التجارية على مختلف الجبهات، وخصوصا ضد الصين وليدة اللحظة في البيت الأبيض، بل كانت متوقعة بعد الأزمة المالية العالمية عام 2007، حيث تحدى أحد أبرز الاقتصاديين الصينيين، عضو لجنة السياسات النقدية الأسبق في البنك المركزي الصيني، هوانغ يبينغ، قبيل انعقاد قمة مجموعة العشرين في العاصمة الكورية سول عام 2010 وزير الخزانة الأميركي آنذاك تيموثي غايتنر، وأدواته المتاحة ضد الصين من فرض رسوم جمركية تعسفية، أو التدخل في السوق لبيع اليوان لرفع سعره، أو منعها من شراء السندات الأميركية بأنها عديمة المنفعة للولايات المتحدة ولا تضرهم بسبب الإجراءات الحمائية الشديدة وحجم الاقتصاد الصيني.

أخيرا أصبحت المواجهات الأميركية - الصينية شبه معتادة، بسبب الاختلاف الجوهري بينهما.

لكن على الرغم من اعتبار المملكة المتحدة الحليف الأقرب والأوثق للولايات، إلا أن أجدر انتقاد للهيمنة المالية والنقدية الأميركية وعملتها جاء من محافظ بنك إنكلترا، مارك كارني، في منتدى جاكسون هول، الذي يتم برعاية من البنك الاحتياطي الفدرالي الأميركي، حيث عبّر في 23 أغسطس الماضي أمام نخبة من الاقتصاديين في العالم عن اتساع مفهوم «مبدأ كونالي» لوزير الخزانة الأميركي جون كونالي في عهد الرئيس ريتشارد نيكسون من «أن الدولار عملتنا، وهو مشكلتكم» إلى أن «أيا من مشاكل الولايات المتحدة هي مشكلتكم».

ودعا كارني إلى استشراف كل الحلول والأفكار المتاحة لمشكلة هيمنة الدولار الأميركي على النظام المالي والنقدي العالمي، بما في ذلك دراسة إمكان استخدام التكنولوجيا الحديثة والعملات المشفرة بإشراف البنوك المركزية، وتغيير قواعد اللعبة، بحيث لا يتم تغيير العملة الاحتياطية الرئيسية في العالم بأخرى تحل محلها بنفس العلة.

وسبق كارني بالدعوة إلى الخروج عن الهيمنة المالية والنقدية الأميركية، وزير خارجية ألمانيا هيكو ماس في أغسطس 2018، بدعوته أوروبا إلى إنشاء نظام مدفوعات مالية أوروبي مع دول العالم لا يكون للولايات المتحدة فيه سلطة.

هذا السلوك والتفكير في حد ذاته تحدّ للميزة المفرطة التي اكتسبها الدولار في أنه العملة الاحتياطية الوحيدة في العالم وبلا غطاء ذهبي، وخصوصا أن هذا التحدي من العالم الغربي، الحليف التقليدي للولايات المتحدة.

هذه الميزة المفرطة التي تمتع بها الدولار كانت بسبب «صدمة نيكسون»، حين ألغى الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون منفردا عام 1971 اتفاقية بريتون وودز التي أبرمت عام 1944 مع الدول الكبرى، منهيا عهد ربط الدولار وعملات العالم بالذهب، محاولا بذلك تخفيض سعر صرف الدولار ووقف طلبات الدول الأخرى لتحويل دولاراتها إلى ذهب بخزائنها.

ووعدت الولايات المتحدة الدول الكبرى آنذاك، لتقليل أثر الصدمة، بتحمّل أي عجز عندها بتسامح معقول جراء استخدام الدولار كعملة احتياطية وحيدة في العالم.

ولكن كان ذلك الوعد في عام 1971 والناتج المحلي الإجمالي لجميع أوروبا يمثل ما يقارب 60% واليابان 20% والصين 8% من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة.

أما في عام 2018 فكان الناتج المحلي الإجمالي للصين وحدها يمثل ما يقارب 65% من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة. هذا التغير الكبير يجعل من الصعب بمكان على الولايات المتحدة أن تتسامح مع أي عجز في الحساب التجاري وميزان المدفوعات مع العالم، حيث أصبحت ترى نفسها كأنها منسق مبيعات منتجات الصين للعالم بدولارها، ومتحملة لتكاليف الفائض التجاري الصيني مع كل العالم.

حتى مع صعود الولايات المتحدة كمنتج ومصدّر عملاق للنفط والغاز منذ عام 2006، إلا أن الاقتصاد الأميركي لم يقدر على تجاوز عجزه المزمن في الحساب الجاري الذي وصل الى مستوى 6% من الناتج المحلي الإجمالي كأقصى عجز عام 2006 و2.5% في عام 2019.

في هذا المناخ المتوتر والمتطور منذ الأزمة المالية العالمية لا معنى للاتفاقيات التجارية وإن أبرمت من دون استقرار فعلي للنظام المالي والنقدي العالمي.

ومازالت الولايات المتحدة على رأس التفوق الاقتصادي والثقافي في العالم، فضلا عن القوة العسكرية، ومن الوهم الاعتقاد باستقلالية البنك الاحتياطي الفدرالي الأميركي الكاملة عن السياسة الخارجية الأميركية، وأنه سيكون بمعزل عن أي حرب تهدد عرش عملته واقتصاده بشكل مباشر أو غير مباشر.

المواجهة الأميركية - الصينية قد تكون عنيفة وغير مسبوقة، وإن لم ترتفع حدة هذه المواجهة عن المستوى الحالي، سيكون للدول الكبرى الأخرى قوة الترجيح لحفظ الاستقرار الاقتصادي للعالم.

back to top