أفغانستان في وضع دقيق مع اقتراب الانسحاب الأميركي

نشر في 12-09-2019
آخر تحديث 12-09-2019 | 00:00
 أوبزيرفر لم تقرر إدارة ترامب بعد إيقاع الانسحاب من أفغانستان أو توقيته أو ظروفه، لكنه يبقى هدفها النهائي حتماً. تتفاوض الإدارة حول التفاصيل مع حركة "طالبان" الأفغانية التي سيطرت على البلد وحَمَت "القاعدة" قبل اعتداءاتها على الولايات المتحدة في عام 2001. ربما شهدت المحادثات انتكاسة معينة، أو تم تعليقها على الأقل، بسبب إقدام ترامب على إلغاء اجتماع سري بين ممثّلي "طالبان" والحكومة الأفغانية في "كامب ديفيد"، لكن حان الوقت للتساؤل عن معنى الانسحاب الأميركي وأهميته وحجم الثقة بوعود "طالبان".

بعد تسع جولات من المفاوضات في قطر مع ممثّلي "طالبان"، كشف المفاوض الأميركي زلماي خليل زاد جزءاً من تفاصيل الاتفاق "في المبدأ"، معتبراً أن الرئيس ترامب هو صاحب الكلمة الأخيرة، ومن المتوقع أن تلتزم الولايات المتحدة بسحب 5400 جندي من خمس قواعد خلال 135 يوماً (يبقى نحو 8600 جندي أميركي). في المقابل، لن تسمح "طالبان" كما تقول باستعمال البلد كقاعدة إرهابية لشن اعتداءات على الولايات المتحدة، وستشارك في محادثات مع الحكومة الأفغانية للتوصل إلى اتفاق على تقاسم السلطة، بالإضافة إلى موافقة ترامب، يتوقف الاتفاق أيضاً على نتيجة المحادثات المتواصلة ووقف إطلاق النار. لم يشارك الرئيس الأفغاني أشرف غني في المحادثات بعد، بإصرارٍ من "طالبان"، ويتعامل مع الوضع بحذر حتى الآن.

ما فرص نجاح هذا التوجه؟ لا شك أنه اقتراح محفوف بالمخاطر! في المقام الأول، تحتل "طالبان" (أو تسعى إلى احتلال) 46% من الأراضي الأفغانية وتسيطر على 36% من سكانها، وفق المفتش العام الذي كلّفه الكونغرس بملف إعادة إعمار أفغانستان، كذلك تابعت الحركة شن اعتداءات قاتلة ضد المدنيين والقوات الأفغانية خلال المفاوضات. نظراً إلى هذه الوقائع الميدانية، يتوقف أي اتفاق مرتقب على ثقةٍ لا تزال مفقودة وقدرة الأميركيين والأفغان على مراقبة "طالبان" وحثّها على الالتزام بشروط الاتفاق. لتحقيق هذا الهدف، يجب أن تتابع الولايات المتحدة التزامها الاستخباري الأساسي وتُكلّف جزءاً كبيراً من قواتها المتبقية بتنفيذ عمليات خاصة في حال أرادت الرد على أي انتهاكات من جانب "طالبان". مهما حصل فلن تعمد أي إدارة أميركية إلى زيادة أعداد الجنود مجدداً في أفغانستان.

في النهاية، يمكن استخلاص درس شائع في جميع الحروب المنتهية: يجب أن نتقبّل شروط الاتفاق مهما كانت ونتعايش مع العواقب المترتبة عنها لاحقاً، لذا تتطلب المرحلة الراهنة أعلى درجات الحذر.

بعد تجاوز هذه الحقائق الصعبة، لِنَعُد إلى السؤال الأصلي: هل تغيرت "طالبان" بطريقة جذرية منذ عام 2001؟ يلاحظ بعض الباحثين الميدانيين إشارات إيجابية، على غرار تخلي "طالبان" عن الحكم المتطرف، وبدء الاهتمام بحكم المناطق الخاضعة لسيطرتها، وتأمين خدمات عامة مثل الرعاية الصحية والتعليم. يُقال إن هذا التحول حصل بفضل القائد الجديد أختر منصور الذي خَلَف المُلا عمر في عام 2013. قد يشير هذا التوجه إلى استعداد الحركة للانخراط في معترك السياسة الشرعية، لكن لم يتّضح بعد ما إذا كان هذا الميل دائماً أو مجرّد تجربة عابرة.

تقول "طالبان" إنها لن تدعم أي جماعات إرهابية مجدداً، لكن لا يقتصر الموضوع على الإرهاب، فلا يزال جزء كبير من أفغانستان منفلتاً أو غير خاضع لحكم قوي، لذا يستطيع المتطرفون دوماً إيجاد ملاذ لهم هناك. تتعلق المسألة الأساسية إذاً بمعرفة مدى استعداد "طالبان" لدعم جهود اقتلاع الإرهاب وترسيخ الأمن على نطاق أوسع. قبل مناقشة هذه المسائل كلها، يجب أن نتأكد أولاً من قدرة "طالبان" على تقاسم السلطة. على أعضاء الحركة أن يتقبلوا إمكانية تعايش الشريعة مع الديمقراطية، علماً أن الجماعات المتطرفة تمتعض من هذه الفكرة في الحالات العادية. كذلك، ستكون مفاهيم مثل "المعارضة الموالية" مربكة على الأرجح بالنسبة إلى جماعة تتبنى وجهات نظر استبدادية.

في النهاية، لا شيء يضمن الحفاظ على المكاسب التي حققها الغرب خلال 18 سنة من الالتزام بفضل أي اتفاق تتفاوض عليه الولايات المتحدة. في أفضل الأحوال، ستسود فوضى معينة لكنها لن تكون كارثية، وفي أسوأ الأحوال، ستزيح "طالبان" الأطراف الأخرى من طريقها، وتفرض حكماً أحادي الجانب. لكن نظراً إلى التغيرات الحاصلة منذ اعتداءات 11 سبتمبر، ثمة احتمال "ضئيل" في أن تفوز الفوضى على الكارثة! بما أن الانسحاب الأميركي أصبح قريباً، يتعلق أبسط هدف بعدم ارتكاب أخطاء كبرى، على غرار ما حصل عند انسحاب الأميركيين بطريقة فوضوية من فيتنام. لحسن الحظ، يبدو أن الانسحاب سيكون منظّماً هذه المرة ولن يشبه بأي شكل اضطرار المسؤولين الأميركيين للهرب بطريقة مهينة من "سايغون" عبر مروحية على السطح في عام 1975. اليوم، يجب أن يتجنب الأميركيون الأخطاء المرتكبة في فيتنام، أي غياب التنسيق المناسب مع الشركاء المحليين (في هذه الحالة حكومة غني)، والفشل في حماية من تعاونوا معهم عن قرب من العواقب المحتملة. إنها أبسط المتطلبات حفاظاً على كرامة البلد!

* جون ماكلولين

* «أوزي»

back to top