يحيى السماوي: كل قصيدة ولادةٌ جديدة لي

«مفهومي للحداثة لا يتعلق بالشكل بل بتجديد إصدارات البنية الداخلية للقصيدة»

نشر في 06-09-2019
آخر تحديث 06-09-2019 | 00:12
يكاد من يطالع قصائد الشاعر العراقي الكبير يحيى السماوي يجزم أنه يمارس الفن التشكيلي خلسة، فهو يرسم قصيدة بريشة فنان بارع، ويختار كلمات رشيقة يدمجها في إيقاع حداثي متدفق، رغم تنوّع شكل القصيدة لديه بين العمودي والتفعيلة والنثر، ليصنع في النهاية لوحة بديعة.
وفي حوار أجرته معه "الجريدة" من القاهرة، قال السماوي المقيم في أستراليا إنه يكتب الشعر ليشعر أنه على قيد الحياة، لافتاً إلى أن مفهومه للحداثة لا يتعلق بالشكل، بل بتجديد البنية الداخلية للقصيدة. وفيما يلي نص الحوار:

● كيف أسهمت السنوات الأولى من حياتك في بلورة حسك الإبداعي، وصنعت منك شاعراً كبيراً؟

- أنا ابن أمٍّ قروية وأبٍ بقّال، وُلِدتُ على بعد بضع عشرات أمتار من نهر الفرات، في بيت جدّي لأمي، الذي يقع في زقاق ضيّق، بيوتٌ متلاصقة السطوح والجدران تلاصق قطيع ماعز يسير في وادٍ ضيّق، لذا فإن نشأتي الأولى أسهمت في فتح عينيّ على تكافل الفقراء الاجتماعي والشعور بغياب العدالة في توزيع ثروات الوطن، مما جعلني أعلن تضامني مع الصعاليك في حربهم العادلة ضد الأباطرة، ومع الجياع ضد المتخمين، بل ومع مناديل العشق ضد أكفان القهر والتعسف.

● ما هي النقطة التي تنطلق بها في كتاباتك الشعرية؟

- منطلقاتي تنبع من مفهومي لوظيفة الشعر عندي، وهذه الوظيفة هي المساهمة في إضافة وردة جديدة إلى حديقة المحبة الكونية أو اقتلاع شوكة منها.

● أصدرت 27 مجموعة شعرية لكنك لاتزال متمسكاً بروح القصيدة القديمة، ورغم ذلك ثمة إيقاع حداثي، ما سر هذه التركيبة البديعة؟

- تراوحت أعمالي تلك بين الشعر العمودي والتفعيلي والنثر الفني المركّز، مفهومي للحداثة لا يتعلق بالشكل، بل بالتجديد في البنية الداخلية للقصيدة، مع المحافظة على الثوابت الأساسية للشعر، فالشعر عندي ليس ترفاً لفظيا بقدر كونه قنديلا لإضاءة المعتم، وسلاحا ينتصر لجمال الحق ضد قبح الباطل.

● ماذا تعني القصيدة بالنسبة إليك؟

- أنا أكتب الشعر كي أشعر أنني على قيد الحياة، لذا أعتبر كل قصيدة جديدة هي بمنزلة ولادة جديدة لي.

● ما القصيدة التي تراودك دوماً، لكنها كانت عصيّة على أن يخطها قلمك؟!

- القصائد بالنسبة لي كالأماني، كلما تحققت لي أمنية، وُلِدتْ أمنية أخرى، لذا فقصيدتي الأمنية لم أكتبها بعد، وأظنني لن أكتبها، وسيكتبها غيري حين أغفو إغفاءتي الأخيرة.. أقصد من كلامي هذا أن الشعراء جميعهم كسلسلة لا نهائية الحلقات، كل حلقة تكتمل بما قبلها وتُكمِل ما بعدها.

● "عيناك لي وطن ومنفى"، هل كان هذا الديوان ترجمة لحالة شاعر ارتحل خارج بلاده؟

- نعم يا صديقي، هذه المجموعة كتبتها في غربتي حين كانت عودتي إلى الوطن تعني تأرجحي من حبل مشنقة أو سقوطي مثقوب الرأس مخرّز الجسد برصاص الإعدام، لكوني كنت معارضاً لنظام المقابر الجماعية، وساهمت مقاتلاً وخطيباً في الانتفاضة الجماهيرية عام 1991.

تجربتي الشعرية

● إلى أي مدى حظيت أعمالك باهتمام من جانب النقاد؟

- أعتقد أن تجربتي الشعرية قد حظيت باهتمام كبير من لدن النقاد والدارسين، ليس من خلال عشرات رسائل الماجستير والدكتوراه وبحوث الأستاذية في كبريات الجامعات العراقية والعربية وفي إيران والهند، والتي تناولت تجربتي الشعرية المتواضعة فحسب، إنما ومن خلال العديد من الكتب النقدية التي كتبها عن هذه التجربة نقاد عراقيون وعرب لهم حضورهم الفاعل في المشهد النقدي العربي المعاصر، ومن خلال ترجمة الكثير من شعري إلى لغات أجنبية عديدة كالإنكليزية والفرنسية والألمانية والفارسية والأوردية والإسبانية وغيرها، واختيار بعض قصائدي لمجلة كلية الفنون في جامعة لويزيانا الأميركية، ومثلها مجلة جامعة سيدني الأسترالية وجامعات أخرى، كما شرّفتني وزارة التربية والتعليم العراقية باختيار إحدى قصائدي لمنهج الأدب للصف الثالث المتوسط.. وقد تُوّجت هذه التجربة بإطلاق اسمي على أحد أهم شوارع مدينة مسقط رأسي "السماوة"، هو شارع النهر تحديداً.

● ما أبرز الجوائز التي حصلت عليها عن منجزك الشعري؟

- حزت الكثير من الجوائز، منها جائزة الملتقى العربي الأول في أبها لأفضل ديوان شعر عام 1992 عن مجموعتي "قلبي على وطني"، وجائزة مؤسسة ابن تركي للإبداع الشعري برعاية جامعة الدول العربية عام 1998 عن مجموعتي "هذه خيمتي فأين الوطن؟"، وجائزة البابطين لأفضل ديوان شعر عام 2008 عن مجموعتي "نقوش على جذع نخلة"، وجائزة جبران خليل جبران العالمية، وغيرها العديد من الجوائز.

● ماذا بقي في جعبة إبداعك وربما يخرج للنور قريباً؟

- في جعبتي مجموعتان شعريتان سأعمل على إصدارهما العام المقبل ـ إذا كان لي من الغد نصيب بإذن الله ـ وثمة مجموعة ثالثة ما أزال أعمل فيها، أواصل من خلالها مشروعي الذي بدأته في مجموعتي "نهر بثلاث ضفاف"، التي صدرت قبل أسابيع قليلة، وأعني مشروع تحويل إلهة الحب والجنس والجمال والمطر والحرب والتضحية "إينانا" من أسطورة سومرية تعيش في بطون الكتب إلى حقيقة وجودية تعيش فوق الأرض لا في فضاءات الأخيلة.

نشأتي جعلتني أتضامن مع الجياع والصعاليك ضد الأباطرة
back to top