بحجم الكون... شكراً

نشر في 03-09-2019
آخر تحديث 03-09-2019 | 00:09
 يوسف عبدالله العنيزي قبل أسابيع قليلة احتفل العالم الإسلامي بعيد الأضحى المبارك، وفي يوم الحج الأكبر وعلى صعيد "عرفات" الطاهر اجتمع أكثر من مليوني حاج، أتوا من كل فجّ عميق تلبية لنداء الحق، سبحانه وتعالى، مخاطبا سيدنا إبراهيم عليه السلام "وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فجّ عميق"، وامتلأ الفضاء بنداء لبيك اللهم لبيك، وتردد صداه في كل أرجاء الكون، حتى وصل إلى عنان السماء، وأدى ذلك الجمع الطيب مناسك الحج بكل يسر وسهولة.

فهل لنا أن نتصور مدى ما نحتاج إليه من جهد وعمل لتقديم كل أنواع الخدمات ابتداء من التنقل بين المشاعر، ثم لتوفير السكن والمأكل والمشرب حتى توفير الخدمات الصحية والأمن والأمان، وكل ذلك يتم في فترة زمنية محددة، وعلى مساحة من الأرض، ولأعداد تفوق المليوني حاج؟ صور نعجز عن الوفاء بوصفها لكنها المملكة العربية السعودية حفظها الله وحفظ قيادتها الحكيمة، وكل من ساهم في أداء هذه الأمانة العظيمة لخدمة حجاج بيت الله الحرام، ابتغاء مرضاة الرحمن جلت قدرته، ثم ألا يكفيهم شرفاً وعزةً أن يسجى جسد سيد الرسل وخير البشر محمد بن عبدالله، صلى الله عليه وسلم، في ثرى وطنهم؟ فبحجم الكون شكراً لهذا البلد الطيب وقيادته، وشكراً لكل من ساهم في أداء هذه الأمانة بجهد وإخلاص.

والواقع أن هذه المناظر الروحانية أعادت إلى الذاكرة تلك الأيام في بداية العمل الدبلوماسي الذي عبرت به العالم من أقصاه إلى أقصاه، ففي الفترة 1974- 1977 توليت العمل كملحق دبلوماسي في سفارة دولة الكويت في مدينة "جدة"، وذلك قبل نقل السفارات إلى مدينة الرياض، وكان يرأس البعثة الدبلوماسية المغفور له بإذن الله الشيخ بدر المحمد الأحمد الجابر الصباح، رحمه الله، وقد زاملت في العمل بالسفارة عدداً من الإخوة، منهم عبدالمحسن الدعيج وأحمد العتيقي وخالد اللافي ومحمد إبراهيم وفيصل الساير والمرحوم بدر الحداد، رحمه الله.

هذا وقد جرت العادة أن تقوم السفارة بنصب مخيم في منطقة "منى" يكون قريبا من مخيمات حملات الحج الكويتية، ونظراً لأني أتولى مسؤولية الشؤون القنصلية، فقد كنت أحتفظ في إحدى الخيام بصندوق حديدي أضع فيه جوازات ووثائق السفر وبعض الطوابع القنصلية والأختام الرسمية للسفارة، وكم كنت أسعد بلقاء رؤساء حملات الحج في ذلك الزمان، مثل حملة بن شنفا، وحملة الريش، وحملة الفهد، وحملة بن طاهر، وحملة النمش، وغيرهم من رجال كرام نذروا أنفسهم لخدمة حجاج أهل الكويت.

كم كانت أوقاتاً رائعة عندما كنا نتناول طعام الغداء تحت ظل أحد الباصات، وذلك بعد أداء صلاة الظهر جماعة في ذلك المكان الطاهر، لم نكن نعرف في ذلك الزمان الهاتف النقال أو النقل التلفزيوني وغير ذلك من تكنولوجيا الاتصالات، وكان الاتصال مع وزارة الخارجية يتم عن طريق جهاز اللاسلكي، وكان النداء المخصص للوزارة "ألو 1" والنداء المخصص للسفارة "ألو 6".

يا لها من أيام رائعة على الرغم من قسوة العمل الذي لا يتوقف على مدار الساعة، فبعد مغادرة حملات الحج الكويتية الأراضي المقدسة نعود للعمل في السفارة، حيث نقوم بإصدار تأشيرات المرور للحجاج من العراق وإيران وتركيا وغيرها من الجنسيات الراغبين بالعودة إلى بلادهم عبر دولة الكويت، وكنا نصدر تأشيرة واحدة لكل باص بعدد ركابه.

يا له من عمل شاق ومتعب، ولكن ذلك الجهد يهون أمام كلمات التقدير من الجميع، وكم أفخر بذلك المقال الذي كتبه المغفور له بإذن الله العم الراحل عبدالعزيز المساعيد، عميد جريدة "الرأي العام" بعنوان "العنيزي يدير السفارة بجدة في موسم الحج"، تضمن بعض الإشادة بعمل السفارة، فجزاه الله خير الجزاء، وأسكنه فسيح جناته.

فبحجم الكون شكراً للمملكة العربية السعودية الشقيقة وقيادتها الحكيمة، وشكراً لكل من ساهم في إنجاح مواسم الحج والعمرة، وحفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.

back to top