تفاؤل غير واقعي في أوكرانيا

نشر في 02-09-2019
آخر تحديث 02-09-2019 | 00:00
 جي ام اف في الأزمة المطوّلة بين روسيا وأوكرانيا، تبرز مؤشرات على نشوء تفاؤل حذر في الوضع القائم. وصل البلدان إلى المرحلة الأخيرة من المفاوضات على تبادل الأسرى، وتكلم بوتين وزيلينسكي عبر الهاتف. بعد تلك المكالمة، أعلن زيلينسكي عقد اجتماع بين ممثلي وزراء خارجية «مجموعة النورماندي» (فرنسا، ألمانيا، روسيا، أوكرانيا) في نهاية هذا الشهر في فرنسا، وحين تكلم ماكرون في مؤتمر صحافي خلال زيارة بوتين لفرنسا هذا الأسبوع، اعتبر أن قادة البلدان الأربعة يفكرون جدياً بتنظيم ذلك الاجتماع.

وفي منشور على قنوات الرئيس الفرنسي على مواقع التواصل الاجتماعي، قال ماكرون أيضاً إن العلاقات بين روسيا والاتحاد الأوروبي تسير في الاتجاه الصحيح، علماً أن هذا الوضع ليس ممكناً بالنسبة إلى الاتحاد إلا بعد تسوية الخلاف القائم في شرق أوكرانيا، لكن رغم هذه التطورات، لا يشعر الجميع بالتفاؤل. تشكك موسكو بحصول أي مفاوضات في المستقبل القريب ولا تنتظر الغرب للتحرك.

عملياً، يجب ألا نبالغ في تقييم المنحى الإيجابي الذي اتخذه الخطاب بين روسيا وأوكرانيا، إذ تبرز عوائق جدّية في المفاوضات: لن يتفاوض بوتين حول مسألة شبه جزيرة القرم، ولن يناقش زيلينسكي وضع «دونيتسك» و»لوهانسك»، وحتى لو أبدى الرئيسان استعدادهما للتناقش حول تسوية في «دونباس»، تبقى الخيارات المتاحة أمامهما ضئيلة: تنفيذ اتفاقيات «مينسك»، أو تصعيد الصراع العسكري، أو الوصول إلى طريق مسدود، يُجمِع المسؤولون على أن الحل الوحيد للصراع يكمن في اتفاقيات «مينسك»، لكن لا يتماشى الاتفاق مع السياسة الأوكرانية ويبقى بغيضاً على الأرجح بنظر روسيا أيضاً.

لا تنكر روسيا أنها تعزز إمكاناتها العسكرية في ظل تصاعد التوتر في غربها. في الوقت نفسه، يتوسع الوجود العسكري لقوات حلف الناتو في شرق أوروبا، ونشرت الولايات المتحدة أنظمة دفاع صاروخية في بولندا ورومانيا، لكن يقول وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو إن موسكو تتخذ بكل بساطة التدابير اللازمة للتخلص من التهديدات الناشئة ولا تخطط لأي تحرك عسكري. سيكون القتال كفيلاً بزيادة عزلة روسيا وتضرر اقتصادها المتباطئ أصلاً، كذلك، يمكن أن يترافق ضم «دونباس» مع نتائج عكسية، لأن هذه الخطوة تزيد الضغوط على غرب أوكرانيا، حتى أنها قد تدفع دولاً مجاورة، على غرار بولندا، إلى التحرك.

تدعم بقية بلدان أوروبا، بما في ذلك بولندا، مبادرات أوكرانيا لإرساء السلام، ومن المستبعد أن يتغير هذا الموقف، يمكن أن يفتح وقف إطلاق النار في أوكرانيا المجال أمام تقوية الروابط بين روسيا والاتحاد الأوروبي، ولو بدرجة بسيطة، قد يتكلم ماكرون عن امتداد أوروبا من «لشبونة» إلى «فلاديفوستوك»، لكن يبقى هذا التحالف محدوداً. تخشى بولندا أي تقارب محتمل بين بروكسل وموسكو على اعتبار أنه يُضعِف مكانة وارسو في المنطقة، فثمة خلاف أصلاً بين بولندا والاتحاد الأوروبي بسبب محاكمها الدستورية والرقابة الإعلامية، ومن المتوقع أن يتأجج ذلك التوتر في حال تحسّنت العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وروسيا.

لم تصل موجات التفاؤل إلى روسيا بعد، ومن المستبعد أن تتخذ موسكو أي خطوات لتغيير قواعد اللعبة في الصراع القائم مع أوكرانيا. قد توافق على وقف إطلاق النار، لكن من المعروف أن الصراع في «دونباس» أو استقلال «دونيتسك» و«لوهانسك» سيزعزعان استقرار أوكرانيا، ما يصبّ في مصلحة روسيا. ربما كانت موسكو تأمل سابقاً إقدام الاتحاد الأوروبي على تقليص العقوبات بعد وقف إطلاق النار، لكن أوضح ماكرون مؤخراً أن الاتحاد لا ينوي رفع العقوبات، حتى لو وافق على تعزيز التعاون الاقتصادي والثقافي. أمام هذا الوضع، لن يتشجع بوتين على تغيير سياسة الكرملين الخارجية أو المحلية.

رغم الأجواء التفاؤلية الحذرة في كييف، فمن المستبعد أن يقدّم الكرملين أي تنازلات حول شرق أوكرانيا، وتحديداً على مستوى نطاق السيطرة الروسية في «دونيتسك» و»لوهانسك». لا تزال مواقف الطرفَين على حالها منذ سنوات، ولا مجال للتسوية على ما يبدو. قد يتكلم كل طرف عن ضرورة إنهاء الحرب سريعاً، لكن يدرك الجميع أن نهاية الأزمة ليست وشيكة!

* إيكاتيرينا زولوتوفا*

* «جي بي إف»

back to top