الأهدل لـ الجريدة•: الأدب الجيد يهذب النفوس

«أرض المؤمرات السعيدة» تتناول قصة واقعية لفتاة تُسجن بسبب عجوز

نشر في 01-09-2019
آخر تحديث 01-09-2019 | 00:15
تصلح قصة حياة الأديب اليمني المعروف وجدي الأهدل لأن تتحوَّل إلى رواية جيدة، فقد كابد الرجل لإبعاد حبل المشنقة عن رقبته، بعد أن لاحقته وزارة الثقافة قضائياً بعد صدور روايته «قوارب جبلية»، مما دفع الأهدل إلى المنفى، قبل أن يتدخل الروائي الألماني غونتر غراس، وينتهي الأمر بحفظ القضية وعودة الأهدل إلى وطنه.
وفي حوار أجرته «الجريدة» معه من القاهرة، يتحدث الأهدل عن تجربته وقصته الواقعية، كما أصدر روايته الجديدة «أرض المؤامرات السعيدة... وإلى نص الحوار:

• ما هي منطلقاتك في الكتابة بوجه عام؟

- في المقام الأول احترام وقت القارئ، والحرص على كتابة قصة جيدة تمنحه الشعور بأنه قد حصل على إضافة معينة، وأن وقته لم يذهب سُدى، كذلك أُركز على عنصر المتعة، فإذا شعرتُ بأن ما أكتبه ممل فإنني أتوقف عن الكتابة، وأبحث عن الخلل، ومن حق القارئ أن يتمتع بالنص، فهو لا يقرأ كتاباً علمياً جافاً، بل يقرأ أدباً، والأدب الجيد يخلق نشوة روحية تطرب لها الحواس وتتطهر بها النفس، فيتهذب السلوك وتسمو المشاعر. ويهمني أيضاً أن أكتب وفي ذهني بعض الأسئلة التي تؤرقني، وهكذا تصبح الكتابة أداة للبحث عن أجوبة، فالعقل الواعي لايعرف هذه الأجوبة، ولكن أثناء عملية الكتابة قد يتدخل العقل الباطن ويمنحني لمحات وإشارات إلى الحقيقة.

أول رواية

• بدأت بكتابة القصة وأصدرت أول مجموعة لك عام 1997، لماذا تحولت بعد ذلك إلى الرواية؟

- بدأت بكتابة الروايات، وأول رواية كتبتها كانت رواية تاريخية بعنوان «الومضات الأخيرة في سبأ»، وسلمت مخطوطتها لدار نشر عام 1993، لكن الناشر نصحني أن أبدأ أولاً بنشر قصص قصيرة في الصحف والمجلات لأصنع لي اسماً، فعملت بنصيحته، وفي ظرف سنوات قليلة نشرت قرابة مئة قصة، وأحرزتُ حضوراً لا بأس به في الوسط الأدبي لكن رؤيتي الفنية خلال هذه السنوات تغيَّرت، فرأيتُ أن الرواية التاريخية – وكنت مغرماً بكتابتها في أول عهدي بالكتابة - لا تخدم أغراضي، المتمثلة في نقد الواقع الاجتماعي المعاصر وهكذا ترى أن البيئة الثقافية في بلدي – ولعلها كذلك في البلدان العربية كافة - هي التي تفرض على الكاتب أن يلتزم بهذه التراتبية الأدبية، فيبدأ قاصاً ليجد له موضعاً في الساحة الأدبية، ثم يتجه بعد ذلك إلى كتابة الرواية.

• في ضوء أزمتك مع وزير الثقافة هل يمكن تصنيفك بأنك كاتب معارض أو متصادم مع السلطة؟

- الأزمة لم تكن مع وزير الثقافة، ولكن مع النظام، الذي انزعج من رواية «قوارب جبلية»، ويقول غونتر غراس: «الكتابة مهنة خطيرة، ومن لا يريد أن يتعرض للخطر فعليه أن يبحث عن مهنة أخرى، فليعمل حلاقاً مثلاً!».

• ماذا عن قصة تدخل الألماني غونتر غراس التي سهلت إبعاد حبل المشنقة عن رقبتك؟

- عقد في صنعاء أواخر عام 2002 مؤتمر أدبي حضره عدد كبير من الأدباء العرب وعلى رأسهم أدونيس ومحمود درويش، رحمه الله، وكذلك عدد مماثل من الأدباء الألمان والأوروبيين، وطلب مني الرئيس علي عبدالله صالح مقابلتهم، وكان الهدف من ذلك اللقاء تلميع صورته في وسائل الإعلام الدولية، ولكن اللقاء انقلب إلى امتحان عسير، حين أراد الرئيس منح غراس وساماً، فامتنع الأخير عن قبوله وطلب أن يلبي مطلبه أولاً، وهو الكف عن ملاحقتي قضائياً والسماح بعودتي من المنفى، ولم يوافق صالح بسهولة، وطُرحت القضية للنقاش، فقال غونتر غراس: «لو كنت محامياً وأتقن العربية لدافعت عن هذا الروائي دون شك». وحاول الرئيس كعادته المناورة بإنكار أن الدولة هي التي تُقاضي الكاتب، ولكن لحسن الحظ كان غونتر غراس يحمل ملفاً يثبت الإجراءات القضائية، أعده أديبان من منظمة القلم الألمانية والأديب العراقي نجم والي الذي كان حاضراً اللقاء أيضاً، فطلب صالح مهلة للتشاور وخرج، وبعد عشر دقائق عاد وأعلن موافقته على حفظ ملف القضية وحماية الكاتب من الملاحقات القانونية.

حادثة حقيقية

• ننتقل إلى روايتك الجديدة «أرض المؤمرات السعيدة»... كيف يمكن أن يوظف الكاتب الفانتازيا للحديث عن قضايا معينة؟

- تتحدث الرواية عن قصة واقعية لطفلة عمرها ثماني سنوات تعرضت لعنف من رجل كير بالسن وهي مستمدة من حادثة حقيقية غطت أحداثها وسائل الإعلام اليمنية، وفي الواقع صدر حكم المحكمة ببراءة هذا العجوز من التهم الموجهة إليه، ولكن في الرواية قمت بمعالجة فنية مختلفة، فالرواية تنتهي بإصدار حكم قضائي عجيب لا يصدق، الطفلة حُكم عليها بثلاث سنوات سجناً!

النشاط الثقافي

• كيف انعكست أجواء الحرب على المشهد الثقافي في اليمن؟

- الحرب قضت على النشاط الثقافي في اليمن، لقد توقف الكثير من الصحف والمجلات عن الصدور، ودار النشر الوحيدة أغلقت أبوابها بسبب عدم توافر التيار الكهربائي لتشغيل الآلات، ونصف المكتبات والأكشاك اندثرت وظهرت بدلاً منها محال لبيع الأراجيل والمعسل والبقالة ونحو ذلك، ومنذ أبريل 2015 ما عادت تصل إلى اليمن الكتب والصحف والمجلات التي تصدر في الدول العربية، وهذا الانقطاع أثر تأثيراً بالغاً على المكتبات التي تعرض الآن مخزونها القديم من الكتب فقط، وكذلك على المثقفين اليمنيين الذين حُرموا متابعة أحدث الإصدارات، والوضع المادي لشريحة الأدباء والفنانين تردى كثيراً بحيث أصبح معظمهم فقيراً أو تحت خط الفقر، واضطر عدد كبير منهم إلى الهجرة.

الدراسات النقدية

• إلى أي مدى حظيت أعمالك بقراءات نقدية جيدة؟

- رأيي الشخصي أن الدراسات النقدية ليست موجهة للكاتب ولكنها موجهة لجمهور المثقفين، وعليه فإن هذا الجمهور هو الذي يحكم ما إذا كانت الدراسة النقدية في ذاتها جيدة أم لا، بهذا المعنى لم يعد الناقد قاضياً ينطق بالأحكام، ولكنه مبدع يقدم نصاً موازياً، وعليه، فإن العمل النقدي يصبح هو الآخر معرضاً لنقد الجمهور وإبداء الرأي فيه.

• ما الذي تعكف على كتابته الآن؟

- أعمل الآن على مجموعة قصصية عنوانها «التعبئة» تتحدث عن الدكتاتورية، وكل قصة تتناول دكتاتوراً واحداً ممن عاثوا في الأرض فساداً في القرن الماضي.

رواية «قوارب جبلية» كادت تطيح رأسي لولا تدخل غونتر غراس

أول رواية كتبتها كانت تاريخية بعنوان «الومضات الأخيرة في سبأ»
back to top