صناعة الحرب... وصناعة السلام

نشر في 27-08-2019
آخر تحديث 27-08-2019 | 00:09
إن صناعة الحرب سهلة، وكل ما تحتاج إليه أسلحة منوعة والقيام بالقتل والتدمير ودمار كل مناحي الحياة، وتدور عجلة الدمار والخراب على مدار الأيام والأشهر والسنين، وتختفي الحياة، أما صناعة السلام فهي الأصعب، وهي معركة تعمير وبناء وتوفير الرخاء والحياة الكريمة والتعليم الراقي والصحة والسلام.
 يوسف عبدالله العنيزي من مزايا العمل الدبلوماسي أنه يتيح لمن يمارسه أن يعيش أكثر من حياة متنقلا بين دول وقارات العالم ومجتمعات مختلفة، بل متعارضة في نمط الحياة، أما عن تجربتي الشخصية فقد قضيت جلّ عمري في ممارسة العمل الدبلوماسي متنقلاً من وسط وشمال أوروبا إلى وسط وشمال إفريقيا، ومن حدود الصين حتى عبور المحيط الأطلسي وبحر الكاريبي وجزر الباهاماس، ثم الجولة في جمهوريات أميركا اللاتينية.

وقد تشرفت بتمثيل دولة الكويت وقيادتها في حفلات تنصيب رؤساء كل من جمهوريات الإكوادور ونيكاراغوا وكولومبيا وهي موضوع مقالنا، فقد غادرت مدينة كراكاس عاصمة جمهورية فنزويلا، حيث مقر عملي متوجها لمدينة بوغوتا عاصمة جمهورية كولومبيا، وذلك لتمثيل دولة الكويت وقيادتها في حفل تنصيب الرئيس المنتخب "موريس باسترانا"، حيث جرى الاحتفال في الساحة المقابلة لمبنى البرلمان، فقام الرئيس المنتهية ولايته بتسليم نسخة من الدستور للرئيس الجديد الذي وجه بدوره خطابا للأمة حدد فيه برنامج عمله خلال توليه رئاسة الدولة.

وقد لاحظت أثناء الاحتفال الذي شارك فيه عدد من رؤساء جمهوريات أميركا الجنوبية وبعض ممثلي الدول، لاحظت وجود أعداد من القناصة على أسطح المباني المحيطة بالساحة، وذلك للحماية نظراً لما تعانيه كولومبيا من حرب أهلية بين مجموعات ثورية، والحمد لله مر الاحتفال بسلام وأمان.

في اليوم التالي للاحتفال سعدت بمقابلة الرئيس "موريس باسترانا"، حيث نقلت تهاني دولة الكويت وقيادتها له بتولي منصبه الجديد، وكم كان شخصية رائعة، وتجاوز اللقاء الوقت الرسمي المحدد للمقابلة في حديث شيق، وكان شغوفا لمعرفة المزيد عن دولة الكويت وتاريخها ونظامها وإعادة البناء بعد الغزو الغادر، مؤكدا أن العالم لم يشهد توافقا واتحادا وتكاتفا كما شهده في الموقف مع الكويت والتصميم على تحريرها باستخدام كل ما يمكن استخدامه من قوة بتحالف عالمي أجبر القوات الغازية على الانسحاب وتكبيدها هزيمة منكرة.

وأكد أن صناعة الحرب سهلة، وكل ما تحتاج إليه أسلحة منوعة والقيام بالقتل والتدمير ودمار كل مناحي الحياة، وتدور عجلة الدمار والخراب على مدار الأيام والأشهر والسنين، وتختفي الحياة، أما صناعة السلام فهي الأصعب، وهي معركة تعمير وبناء وتوفير الرخاء والحياة الكريمة والتعليم الراقي والصحة والسلام.

يا لها من معركة تحتاج إلى جهود كبيرة وعظيمة تبني الأمم والأوطان، وهذه المعركة تأتي على قمة أولوياتي لإخراج وطني من هذه الحرب الطاحنة التي استنزفت كل ثروات البلاد وشبابه، وفي خضم هذا الحديث المهم بادر فخامته وبشكل مفاجئ بالاستفسار عما إذا كنت قد تذوقت القهوة الكولومبية، وقبل أن أجيب وقف واتجه إلى مكتبه، حيث أخرج "جولة" صغيرة مع إناء لعمل القهوة، حيث أعد الرئيس كوبين من القهوة، والواقع أني لم أدرِ بأي كلمات يمكن أن أصف الموقف أو الشكر.

نعم، كم نحن بحاجة لمثل هذا الفكر في منطقتنا التي تقطعت أوصالها بحروب وصراعات وخلافات اخترعناها، واستنزفت ثروات الأوطان بصفقات سلاح تجاوزت عقودها المليارات، ولنا أن نتصور بتلك المليارات كم مدينة جامعية يمكن بناؤها، وكم مدينة صحية، وكم من الطرق السريعة ومحطات القطارات والمدن السكنية، والأهم توفير فرص العمل الكريم لأبناء الوطن، فمتى نبدأ بصناعة السلام والبناء؟

حفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.

back to top