سعد: الترجمة أشبه بتشييد مبنى على طراز آخر

أكد لـ الجريدة• أن أدب الخيال العلمي يستهويه

نشر في 26-08-2019
آخر تحديث 26-08-2019 | 00:03
الأديب والمترجم المصري أحمد سمير سعد
الأديب والمترجم المصري أحمد سمير سعد
نجح الأديب والمترجم المصري أحمد سمير سعد في لفت أنظار القارئ العربي إلى إنتاجه الأدبي المتنوع بين القصة والرواية، عبر حزمة إصدارات منها: «سِفر الأراجوز»، و«الضئيل صاحب غيّة الحمام»، و«المزين» و«ممالك ملونة»، لكن تجربته الفارقة تجلت في ترجمة الكتب العلمية المهمة إلى العربية.
وفي حوار أجرته معه «الجريدة»، قال سعد إن ثمة شروطاً يجب توافرها فيمن يقوم بترجمة هذه النوعية من الكتب؛ أبرزها الإلمام بالموضوع، معتبراً أن قيام المترجم بنقل كتاب إلى العربية أشبه بتشييده مبنى على طراز آخر أعجبه، وأشار إلى أنه يعكف حالياً على ترجمة كتاب في فلسفة الرياضيات... وإلى نص الحوار:
• أنت بالأساس مدرس بقسم التخدير في كلية الطب جامعة القاهرة، ما سر اتجاهك للأدب وكيف وظفت مهنتك تلك في الكتابة؟

- سبقت الكتابة كلية الطب، لكنها تطوَّرت في فترة الكلية بفضل أصدقاء كونّا معاً ورشة للكتابة. لفترة طويلة كنت أخشى امتزاج العالمين، عالمي كطبيب وعالمي ككاتب. أخشى من أن ينظر الأطباء إليّ كغريب أطوار، وأخشى من أن ينظر الأدباء إليّ كنغمة شاذة، لكنني أدركتُ مع الوقت أن العالمين مع اختلافهما متداخلان، وأن الطبيب يستفيد من الكاتب والعكس، ولعل أكبر محاولة لذلك المزج تمثلت في كتابي "الإكسير سحر البنج الذي نمزج".

• بدأت قاصاً وحصدت جوائز مرموقة في هذا المضمار، لماذا اخترت عالم الترجمة العلمية كعمل موازٍ؟

- لم أخطط لذلك، ولم يكن على بوصلتي، إلا أن القراءة في العلوم كانت تستهويني دائماً. عندما طالعت كتاب "ما الحياة؟" لشرودنغر تعجبت كيف لم ينقل هذا السفر البديع للعربية، وبدأت في ترجمته، وانتابني شعور رائع حفزني على مواصلة هذا الفعل، والسعي وراء كتب أخرى.

فهم أبعاده

• ما المواصفات التي يجب توافرها في مترجم الكتب العلمية؟

- يجب أن يكون ملماً بالموضوع الذي يترجمه، أو على الأقل لديه القدرة على البحث فيه وفهم أبعاده، كما أن عليه دائماً مهمة ضبط الاصطلاحات ونحت مفردات مناسبة للاصطلاحات الجديدة التي لم تسبق ترجمتها للعربية. ينبغي أن يكون شغوفاً بالمعرفة العلمية، مخلصاً لها وواثقاً فيها.

• هل تحرص على تقديم ترجمة بلغة سهلة حتى يسهل على القارئ العادي فهمها أم أنك تخاطب القارئ المتخصص فقط؟

- قديما في بدايات المعرفة، كان كل ما يكتب يستهدف القارئ العام، لكن مع تعقد الأمور وتزايد الاصطلاحات بل ابتعاد العلوم الحديثة عن راحة الحس المشترك التي ارتكن إليها البشر لآلاف السنين باتت هناك كتابات خاصة بالمتخصصين كل في مجاله. هذه الكتابات تفترض معرفة مسبقة في قارئها، كما تفترض إلماماً بمصطلحات معينة وخبرة مسبقة. قد يجعل هذا من المتخصصين أنفسهم جزراً منعزلة، فكل مجموعة منهم تدرس ما يعنيها، وربما لا تعرف شيئاً عما يدور في مساحات مجاورة. كل متخصص في مجاله هو قارئ عام في المجالات الأخرى، قد يكون البعض أكثر ثقافة أو إلماماً من البعض، لكنه يظل قارئا عاما متى حاول القراءة خارج مجال تخصصه. بذلك فكل متخصص هو قارئ عام في النهاية، والرؤية المتخصصة كي تكون مجدية ومفيدة يلزمها نظرة عامة شاملة مرشدة وموضحة.

أغلب الكتب التي ترجمتها تخاطب القارئ العام في المقام الأول، بالإضافة إلى أنني اعتدت تفسير أي اصطلاح ربما لا يحيط به القارئ العام في الهوامش.

عرض المعلومة

• على أي أساس يقع اختيارك على كتاب علمي لتقرر نقله إلى العربية؟

- أفضل تلك الكتب التي لا تقف عند مجرد عرض المعلومة أو طرح المعرفة، فالمعرفة على أهميتها الشديدة ليست غاية القارئ العام، هو يسعى لما وراء المعرفة، يسعى لإدراك صورة العالم الفعلية كما يراها العلم، ويسعى لإدراك روح هذا العلم، لا مجرد معادلاته الجافة أو قوانينه الصارمة، وأظن أن الكتب العلمية خاصة تلك الموجهة للعامة تكتسب أهميتها عبر سبيلين، الأول هو إقناع عموم الناس بجدوى وأهمية المنهج العلمي وفعاليته ودفعهم نحو تبنيه في معاملاتهم العادية، والثاني هو محاولة الانطلاق من تلك المعارف لإدراك روح العلم ومحاولة الإجابة عن أسئلة تتعلق بالوجود والماهية ومعنى الخبرة وغايتها، حتى لو لم تكن الإجابة تامة، لكنها تزيد من وعي الفرد بنفسه وبمحيطه، وترجمت كتاب "ما الحياة؟" لشرودنغر رغم عرضه لحقائق بيولوجية مهمة، إلا أن هدفه الأساسي محاولة التأسيس الفيزيائي لمفهوم الحياة، ما الذي يجعل من الحي حياً وكيف تتصرف تلك المادة الحية كي تظل حية؟ كذلك ترجمت كتاب "طبيعة العالم الفيزيائي" لإدنغتون، وفيه يشرح المؤلف النظرية النسبية ونظرية الكم، لكنه لا يقف عندهما بل يحاول الإجابة عن أسئلة الإنسان الكبرى حول الواقع والسببية والغاية والإيمان، وترجمت كتاب "فلسفة العلم الفيزيائي" لإدنغتون، وفيه يؤسس لمنظور معرفي فريد يخصه ويحاول الخلوص لرؤية فلسفية شاملة تبدأ من المعارف الفيزيائية الحديثة، كما ترجمت كتاب "العقل والمادة" لشرودنغر، ويوشك أن يصدر عن دار آفاق، وفيه يحاول المؤلف انطلاقا من المعرفة العلمية الإجابة عن الأسئلة التالية: ما الوعي؟ كيف بزغ؟ هل يمكن أن يفنيه الزمن؟ أم أن الزمن هو أحد تجلياته؟ وهكذا.

الكتابة الإبداعية

• أيهما أقرب إليك: الكتابة الإبداعية أم الترجمة؟

- لكل منهما مواطن سحره، الكتابة الإبداعية هي بنائي الخاص، يحمل همي ورأيي وهواجسي ومعتقداتي وأزماتي وحلولي المقترحة، مسؤوليتي عنه مسؤولية تامة، وحريتي في تشكيله مطلقة. أما الترجمة فهي تشييدك لمبنى على طراز مبنى آخر أعجبك، إلى الآن لم أنقل كتابا لم ينل إعجابي إلى العربية... بالتأكيد يقوم بعض المترجمين المحترفين بترجمة نصوص قد لا تعجبهم، أو قد لا يتفقون معها، لكنني مخلص تماما لفكرة أنه لن ينقل العمل بالشكل المرجو إلا معجب به، يستمتع وهو يكسوه بحلة عربية. لا يشترط في الكتاب المترجم أن يوافق رؤيتي تماماً، لكن يجب أن أكون معجبا بطرحه حتى لو خالف رؤيتي أحيانا. عندما أترجم أتماهى مع المؤلف وأشعر أن الكتاب في نسخته العربية هو بيتي كذلك، لكن هندَسَه لي شخص آخر، وقد قمت بالتنفيذ شاعراً بامتلاك نسختي العربية.

• متى تجد نفسك في ترجمة أدب الخيال العلمي؟

- أدب الخيال العلمي يستهويني بالتأكيد، وهناك الكثير من كتبه المهمة لأدباء على قدر كبير من الشهرة العالمية لم تترجم، ستسهم ترجمتها في إثراء المحتوى العربي. تراودني نفسي بين الحين والآخر لأشرع في ترجمة أحد هذه الكتب، ربما ما يحول بيني وبين الانصياع لتلك الرغبة قائمة طويلة من الكتب العلمية التي أود نقلها للعربية.

• ما المشروع الأدبي الذي تعكف عليه حالياً؟

- أعكف على ترجمة كتاب في فلسفة الرياضيات، كتاب سبقت ترجمته منذ زمن طويل، لكن تلك الترجمة غير متوافرة، ولأهميته الكبيرة في اعتقادي أود لو يتاح مجددا للقارئ العربي في ترجمة جديدة.

المعرفة على أهميتها الشديدة ليست غاية القارئ العام

أعكف على ترجمة كتاب في فلسفة الرياضيات
back to top