«أَيّهن أَنْتِ؟» ترصد بنات حواء بشفافية وواقعية

مجموعة قصصية تنحاز للمرأة لكنها لا تعتبرها ملاكاً

نشر في 25-08-2019
آخر تحديث 25-08-2019 | 00:00
غلاف «أيهن أنتِ؟»
غلاف «أيهن أنتِ؟»
ترصد الكاتبة إيمان الشمري في مجموعتها القصصية «أَيّهن أَنْتِ؟» نماذج متباينة للمرأة بكثير من الشفافية والواقعية.
تَشِمُ الكاتبة إيمان الشمري إصدارها الجديد بسؤال أَيّهن أَنْتِ؟، مواربة لباب التأويل فمن تعني الكاتبة بهذا العنوان، وما المغزى من هذا التساؤل المضمر بالرغبة عن كشف بنات حواء وما موقعهن إضافة إلى تفسيرات أخرى لا يمكن التنبؤ بها... لكنها حتماً ستموج بخيال من يقرأ هذا الإصدار.

تبحث إيمان الشمري في «أَيّهن أَنْتِ؟»، عن النموذج الأجمل للمرأة فهي لا تنبذ فتاة بعينها ولا تكره إمرأة بذاتها بل تسلط الضوء على نماذج متباينة من بنات حواء بسلوكهن وتفاعلهن مع المجتمع وطريقة معيشتهن وعاداتهن اليومية... وفي الختام تتساءل أَيّهن أَنْتِ ؟ ويبدو السؤال مشروعاً وغير مستفز البته، حينما يتصفح القارئ هذا الإصدار فيجد رصداً دقيقاً لمعظم شرائح النسوة اللاتي يشكلن الجزء الأكبر من النسيج الاجتماعي، فتارة تنساب حكاية امرأة تندب حظها العاثر وتجلد ذاتها بسبب سوء تصرفاتها في بعض المواقف، وتارة أخرى ترصد براءة فتاة تنحاز إلى الارتباط الوجداني للمكان، كما تستعرض الشمري اعترافات امرأة اكتشفت خداع الطرف الآخر، ولا تخجل الشمري في الكتابة عن أحوال النساء بكل واقعية وشفافية فلا تنظر إلى المرأة بأنها ملاك ولا تعتبرها متجردة من إنسانيتها.

وفي التقديم للإصدار تقول الشمري :» كنت خارجة من أحد دور النشر ومعي أخواك الجائعان، وقد قررنا تجربة أحد المطاعم عند وصولنا فوجئت بسيل من البشر يقفون منتظرين طوابير وطوابير. سامحيني يا صغيرتي وانت في عامك الأول لم أكن لاتركك، تنتظرين في البيت وحدك، لكن السعادة البادية على محيا اخويك أجبرتني على الصبر.

تشير الشمري إلى إنها لم تعتد على الطوابير في حياتها فلم يكن لديها ما يستحق الانتظار، وتقول ضمن هذا الإطار:» ولم أقف أبدا على أبواب السينمات، أو المسارح، فقد حرّموا علي الفن والأدب. صامدة على كعبي الرفيع وسط الحشد المهيب طوائف وأشكالا لا تتشابه في شيء، المنقبة: منقبة متكحلة متبرجة، ومحجبة ملتزمة. السافرة: سفور خجلي، وسفور متأنقة...عباءات تجلس على الاكتاف وأخرى تسكن فوق الرؤوس وسيقان مكشوفة وأفواه مصبوغة. فتيات من كل الأعمار ومن كل الألوان والأشكال ويهاجم فكري المتعب سؤال: أي النساء أنتِ ؟

هناك في زواية المطعم، فتاة غيداء ناعمة هل تلك أنتِ؟ وعلى تلك الطاولة فتاة ملتزمة تجلس في انتظار طلبها... هل تلك انتِ؟ كنت اطمع أن ننمو معا، وننضج معا. هل سيمهلني المرض، وأراك في عمرهن يا صغيرتي؟

الحسرة والحنق

وفي بوح شفيف ممزوج بالحسرة والحنق، تصف حالتها المرضية:» اشتباه بالسرطان وخلل في الجهاز المناعي وغدة على القلب، وأورام في الرقبة.

هذا ما شخصوه... لا أعلم هل انتهى وقت سياحتي في الأرض؟ واستأثر بي الموت؟ كعاشق لا يقبل الا احتضان حبيبته في التراب؟

لغة شعرية

وتستطرد الشمري في الحديث عن الموت بلغة شعرية تتقاطع مع قصيدة الشاعر محمود درويش «أنا لست لي»: «لقد تأقلمت مع فكرة رحيلي مبكرا فأنا لا أهاب الموت.. لقد امتلات بأسباب الرحيل عن عالم بلاستيكي لا طعم له ولا رائحة ولا لون. لكني يا صغيرتي حزينة ان أسكن التراب فتضيعي شاهد قبري، وينسى اسمي في زحمة الأسماء أنا غاضبة نعم غاضبة سوروا مخيلتي بالعيب والحرام والعادات والأمزجة العفنة.. غاضبة لأنني أنا الراحلة وهم الباقون لم؟ لم أُخلّص حياتي من بين براثنهم. انني في كل لحظة من لحظات جهادي تأتيني أصواتهم كالبرق ينقر أذني فاتراجع وأفعل ما يريدون هم وما يسعدهم هم لذلك ساكتب ولينصبوا لي المشانق فالموتى لا يهابون الموت بل يهابه الأحياء.

ها أنا خرجت من دار النشر صفر اليدين اعجبتهم عينات كتاباتي التي سطرت فيها لك قصاقيص من فكري وبعضا من شطحات جنوني ولكنهم لن ينشروا لي فانا اسم من الاسماء ولست نجما من نجوم السماء.

الكرسي الخلفي

في قصة «الكرسي الخلفي» تسلط الشمري الضوء على جسارة المرأة وقدرتها على المضي في طريقها متجاهلة العقبات التي تعترضها، ومن أجواء هذه القصة:» أمسك بالمقود بجسارة، وأنت تجلس على المقعد الخلفي، وتشعل سيجارة. ثم تطول الرحلة، فتقرر أن تستلقي على الكراسي الجلدية الوثيرة، وتنام. ومن نافذتي يطل علي الليل المهيب. خلوة الساجدين مع الله .. خلوة العاشق مع المعشوق.. وتغزو جسدي نسمة شمالية ويغازلني ذلك الضوء القادم من نجمة ليُسلِّيني في حضرة الغياب».

تمضي الشمري في رصد الوحدة التي تعانيها المرأة مركزة على أن المرأة تكون هي القائد في الرحلة لكنها مسلوبة الإرادة وتقول ضمن هذا السياق:» حين أدركت أن ليس لي عكاز، ولا متكأ، ولا سند. تقرفصت على الأرض، وعلمت أن ذراعيَّ هما الذراعان الوحيدتان ستطوقانني... وأن التربيتة المنتظرة على كتفي لن تأتي أبداً، كان يجب علي أن أتخلى عن فكرة الكعب».

في حكاية، ليلى اليتيمة تتبع الشمري قصة ليلى بنت السبعة عشر عاماً بهية الجمال، رشيقة الخطوات. جدائلها الطويلة العسلية الموشاة بشعرات ذهبية تتراقص على جنباتها وهي تتنقل كالفراشة بين بيوت الحي تطوف على سكانها كالنسمة المداوية، راصدة ما سيحدث لهذه الفتاة من ألم سيودي بحياتها.

أرجوحة الألم

تقف الشمري عند محطات الألم، فتنسج حكاية «أرجوحة الألم» ومن أجواء هذه القصة: «تارة أنا شاعرة من بغداد ويوماً أنا أميرة من أواسط انكلترا فارسة هندية على صهوة جواد، أو راقصة عجرية تجول العالم من أرمينيا إلى أسبانيا وحتى جبل طارق. هنا فقط أدركت أنني ركبت أرجوحة الألم وحدي.. وأن بحرك المالح قد حوى أسماكاً غيري. بل وأسماء غيري .. هل تأخر الوقت لتنزلوني من على الأرجوحة.

أحسست بالخشب يتكسر تحت قدمي شيءاً فشيئاً هممت بالتوقف إذ بقدمي تغوصان في المركب لأجد نفسي في غمضة عين على عتبات سلم قصر طويل وحشد غفير من الحراس يصعد من الأسفل يلاحقني. ولا أزال هاربة أجوب العالم ببراءتي وبقايا طفولتي.

ازدواجية

تنتصر الشمري للمرأة فيا نفسي العاتية التي لا تزال تكابد العالم المنذور للذكور تصنعي لتعيشي ويا صغيرتي الفَرِحة استمتعي واقفزي وارقصي كيف سأخبرك:

بأن هذا الجسد الذي استنشق كل هذه الحرية.. قريباً سيفرض على مساماته الانغلاق بدواعي العادات ؟ وسأرحب فيك معي في الغرفة المظلمة.

كويتية في موسوعة غينيس

الدكتورة إيمان الشمَّري، هي أول كاتبة كويتية تدخل موسوعة غينيس بعد جمعها 16 ألف صورة، ضمن حملة نظمتها هي، ضد العنصرية والطائفية والتنمر، لتكمل مشوارها التطوعي في عام 2017 م لتكون أول امرأة عربية تدخل الحدود البورمية في عمل إغاثي، فضلًا عن أنها مثّلت المخترعين العرب في العاصمة الأميركية واشنطن عقب حصولها على براءة اختراع في العلوم المعلوماتية عام 2013.

الشمَّري بدأت رحلتها الأدبية، حين ألقت في سن الثالثة عشرة شعرًا من نظمها على أمير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح، وحصلت على جائزة القصة القصيرة لفئة المدارس في مهرجان القرين الأول، كما أن لها ستة كتب بين العلمية والأدبية باللغتين العربية والإنكليزية.

الرسالة الأخيرة

كتبت الشمري قصة «الرسالة الأخيرة» ومن أجوائها:» بقبلب موجوع يقول: أخ.. بلا أخ .. وقطرات دم مسكوبة تشربها الأرض بلا انتماء. تريد أن تكون البطل في حلمك؟ كن ما تريد تكون. ولكن اخترني كومبارسا في أحد أفلامك... عفوا أحلامك...

أعطني دورا، ولو صامتا... يكفي أن تسمح لي بأن أتواجد في مسرحك ... أنهيت قراءتي للرسالة... أكملت ارتداء ملابسي وخرجت لغرفة الجلوس لأهوي بجسدي على أريكتي الجلدية... أعانق مخدة كانت هناك. وجلست أقلب بين قنوات التلفاز نشرة الأخبار غبار دمار وإعصار وثوار... لا زالت فلسطين محتلة والموازين مختلة».

المجموعة تتضمن بوحاً ممزوجاً بالحسرة والحنق
back to top