لماذا قد يقبل المرء فائدة سالبة؟

نشر في 23-08-2019
آخر تحديث 23-08-2019 | 00:03
No Image Caption
بعضنا قد يظل يستخدم نفس الملابس طيلة عقد زمني أو أكثر ما دامت لم تبل بغض النظر عن الموضة، مثل هذه المعتقدات الاقتصادية الهادفة للتوفير، ربما تكون أحد التفسيرات لوجود نحو 16 تريليون دولار من الديون سالبة العائد حول العالم، بحسب تقرير لـ"بزنس ويك".

الصبر والتوفير والحذر، أمور جيدة جداً، قد تكون هي السر وراء تخمة المدخرات حول العالم الآن، لكن في الحقيقة، لم يعد على الناس جني مقابل كبير (فائدة مرتفعة) لتشجيعهم على الادخار، بل ويقبلون في بعض الحالات فائدة سالبة، أي أنهم يستردون قيمة استثماراتهم ناقصة عند تاريخ الاستحقاق.

ولعل خير مثال على ذلك، انخفاض العائد على سندات الخزانة الأمريكية لأجل 30 عاماً إلى مستوى قياسي (ليس سالباً) في الرابع عشر من أغسطس، والسؤال هنا، ما الذي تغير لقبول عائدات منخفضة وأحيانًا سالبة؟ هل الناس أم الظروف؟

ماذا تغير؟

- أسعار الفائدة السالبة ظاهرة جديدة ولا يزال هناك تضارب كبير حول أسبابها، ويميل رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي السابق "آلان غرينسبان"، والمستشار الاقتصادي لدى "باسيفيك إنفستمنت مانجمنت"، "جواكيم فيلس" إلى احتمال تغير العادات الأساسية للناس بما يجعلهم يقدرون الاستهلاك في المستقبل مثل أو أكثر من الحاضر.

- قال "غرينسبان" في مقابلة حديثة مع "بلومبرغ"، إن القوى الاقتصادية ربما تكون غيرت تفضيلات الناس واختياراتهم لكل وقت، متوقعاً أن يعود الناس في النهاية إلى عادات الإنفاق القديمة، إذ يرى أن هذه التغيرات لا يمكن أن تدوم إلى الأبد.

- التفسير البديل هو أن الظروف هي ما تغير وليس الناس، على سبيل المثال، إذا كان الناس يدخرون أكثر بسبب زيادة معدل الأعمار فهذا ليس تغيراً في شخصياتهم، إنما هي استجابة عقلانية للفرصة المتزايدة للعيش مدة أطول.

- هناك نظرية أخرى تقول إنه بدلاً من التحلي بالصبر أكثر، فإن الناس يدخرون زيادة كإجراء احترازي، لأنهم خائفون من الأزمة المالية، كما يقول الاقتصادي في جامعة أكسفورد "أندريا فيريرو".

- فكرة أن أسعار الفائدة المنخفضة جداً اليوم جاءت نتيجة الإفراط في الادخار، يبدو أنها تتعارض مع ارتفاع بعض أنواع الديون مثل قروض الطلاب في الولايات المتحدة، لكن يرى الاقتصادي "لورنس سمرز" إنهما جزآن من ظاهرة "الركود العالمي".

ما دور الحكومات؟

- يقول "سمرز"، الاقتصادي بجامعة هارفارد: يجب استثمار المدخرات الزائدة بشكل ما، ولأن هناك ندرة في الطلب على المشاريع التقليدية مثل المصانع، فإن بعض الأموال تجد طريقها إلى أشياء مثل التمويل الخاص للطلاب، فالفائدة على هذه القروض أعلى مما يمكن للمستثمرين الحصول عليه في أي مكان آخر.

- حاول "سمرز" وكبير الاقتصاديين في بنك إنكلترا "لوكاز راشيل"، تحديد العوامل التي تسهم في انخفاض معدلات الفائدة في ورقة بحثية كتباها خلال الربيع، وركزا على ما يسمى بالسعر المحايد للفائدة والذي يساعد الاقتصاد على النمو بأقصى سرعة غير تضخمية.

- وفقاً لتقديرات الاقتصاديين، تراجع المعدل المحايد الذي يستبعد آثار التضخم، لستة اقتصادات رئيسية) الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا واليابان) إلى 0.4 في المئة فقط خلال عام 2017 من 3.6 في المئة في 1971.

- خلص الاقتصاديان إلى أن سياسة الحكومة، التي تُتهم في كثير من الأحيان بالإسراف، أبقت الاقتصادات المتقدمة بعيداً عن الركود المزمن بفضل دعمها للإنفاق، ويقولان إن سعر الفائدة المنخفض اليوم كان أكثر انخفاضاً لولا ضغوط السياسات الحكومية.

- تشير التقديرات إلى أن العجز الحكومي والزيادة الناتجة في الاقتراض رفعت سعر الفائدة المحايد بمقدار 1.2 نقطة مئوية، كما تضيف برامج الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية لكبار السن في البلدان الستة 2.3 نقطة مئوية، إذ يكون المتقاعدون أكثر ميلاً للاستهلاك لا التوفير.

تكلفة البقاء في أمان

- الضغوط الصعودية التي مارستها الحكومات على سعر الفائدة المحايد قوبلت بضغوط أخرى هبوطية أقوى من القطاع الخاص، وأبرزها كان نمو الإنتاجية الضعيف، والذي يمحو 1.8 نقطة مئوية وفقًا لأحد النماذج التي استخدمها الاقتصاديان.

- النظرية الأساسية لهذا النموذج هي أنه عندما تكون الإنتاجية ضعيفة، فإن الاقتصاد ينمو ببطء أكثر، وعندما يتنبأ الناس بآفاق ضعيفة، فإنهم يدخرون أكثر كي لا ينفد منهم المال عندما يكبرون.

- النمو السكاني الضعيف يزيل أكثر من نصف نقطة مئوية من المعدل المحايد، ويرجع السبب الرئيسي في ذلك إلى أن هناك حاجة أقل للاستثمار في الإسكان والمدارس، كما أن عدم المساواة يزيد من الادخار، حيث يدخر الأثرياء الكثير لأنهم لا يجدون ما يمكن شراؤه بخلاف الأقل دخلًا.

- يقول الاقتصاديان إن التفاعلات بين بعض الآثار تمحو 1.1 نقطة مئوية أخرى، فمثلاً ارتفاع أعمار السكان في العالم ضعيف النمو كان أشد وطأة من ارتفاعه في البلدان التي تنمو بشكل طبيعي، لكن "سمرز" و"راشيل" لم يفسرا في النهاية سبب حذف 1.4 نقطة مئوية أخرى من المعدل المحايد.

- يعتقد بعض المعلقين والمحللين أن معدلات الفائدة السالبة هي أداة لفرض رسوم على الناس نظير إبقاء أموالهم في أمان، وهذا الأمر ليس بجديد، لكن سبب الحديث عنه أن تكلفة هذا الأمان لم تعد مخفية بعوامل أخرى كانت تستخدم كحجة لرفع الفائدة، مثل النمو القوي في الإنتاجية والسكان والأسعار.

back to top