التكنولوجيا على خط المواجهة من أجل الفتيات

نشر في 15-08-2019
آخر تحديث 15-08-2019 | 00:00
إن تمكين الفتيات والنساء من الوصول إلى الإنترنت سواء كان ذلك باستخدام أجهزة محمولة يمتلكنها أو تلك التي يمكنهن استعارتها، ليس سوى خطوة أولى؛ إذ يتعين علينا أن نضمن أيضاً امتلاكهن للقدر الكافي من المعرفة الفنية لتمكينهن من الاستفادة الكاملة من الأجهزة التي يستخدمنها.
 بروجيكت سنديكيت اليوم تعيش 1.4 مليار فتاة وامرأة في بلدان تفشل في المساواة بين الجنسين، في مجالات تتراوح بين التعليم والعمل اللائق إلى الصحة ومنع العنف. ومع ذلك، أصبحت واحدة من أكثر الطرق فعالية لتمكين الفتيات والنساء، وهي الوصول الآمن الجدير بالثقة إلى الهواتف المحمولة والإنترنت، عُرضة لخطر التجاهل.

تشير تقديرات الجمعية الدولية لشبكات الهاتف المحمول (الهيئة التجارية العالمية لمشغلي الهواتف المحمولة) إلى أن أكثر من خمسة مليارات شخص يملكون أجهزة محمولة، وأكثر من نصفها من الهواتف الذكية، لكن الانتشار السريع الذي تشهده تكنولوجيا الأجهزة المحمولة لم يكن متساويا، فرغم أن عدد النساء في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل اللاتي يمتلكن هواتف محمولة ارتفع بنحو 250 مليوناً في غضون السنوات الخمس الأخيرة فحسب، فلا يزال عدد النساء اللاتي يملكن هواتف أقل بنحو 184 مليونا عن نظرائهن من الرجال، ولا تزال إمكانية استخدام الإنترنت بين النساء أقل بنحو 26% من إمكانية استخدام الرجال لها.

على نحو مماثل، ورغم أن الشباب يملكون هواتف محمولة بمعدل أعلى مقارنة بنظرائهم الأكبر سنا، فإن اختلالات التوازن بين الجنسين لا تزال قائمة، إذ تشير دراسة أجرتها مؤسسة Girl Effect (التي أتولى رئاستها التنفيذية) في عام 2018 إلى أن احتمال امتلاك الصبيان لهاتف محمول يزيد بمقدار 1.5 مرة عن احتمال امتلاك الفتيات لها، وحتى بين أولئك الذين يملكون هواتف، فإن احتمال امتلاك الصبيان هواتف ذكية أكثر من نظيره بين الفتيات.

لكن امتلاك هاتف محمول ليس كالقدرة على الوصول، وقد كشفت تحقيقاتنا أن الفتيات يجدن غالبا طرقا بارعة لوضع أيديهن على الأجهزة المحمولة، فأكثر من نصف الفتيات اللاتي شاركن في مقابلاتنا، في أماكن مثل الهند، وملاوي، وتنزانيا، يقمن بانتظام باستعارة الهواتف المحمولة من الوالدين، أو من الإخوة والأخوات، أو من الأصدقاء، ويشارك بعضهن أيضا في بطاقات وحدة تعريف المشترك (SIM cards) والأجهزة المحمولة؛ ويجدن أساليب مبدعة للوصول.

ونظرا للفوائد الهائلة المترتبة على القدرة على الوصول إلى الإنترنت، فإن هذه أخبار جيدة، فعلى سبيل المثال، ربما تشعر فتاة عمرها 14 عاما في ريف بنغلادش، لم تتعلم أي شيء قَط عن سن البلوغ، بالخجل الشديد حيال التغيرات الطارئة على جسمها، حتى أنها قد تتوقف عن الذهاب إلى المدرسة، ولكن بفضل الساعتين اللتين يُسمَح لها خلالهما باستعارة هاتف شقيقها كل أسبوع، يمكنها أن تتعلم عن الحيض والحمل، وأن تتواصل مع المرفق الصحي المحلي لترتيب المشورة والرعاية الشخصية. بعبارة أخرى، تمنحها القدرة على الوصول عبر الأجهزة المحمولة ما تحتاج إليه من معرفة وثقة لحماية صحتها ومستقبلها.

الوصول إلى الهواتف المحمولة ليس غاية في حد ذاته، بل هو وسيلة لتسوية أرض الملعب وضمان تكافؤ الفرص للجميع ليس فقط من خلال المعرفة، بل أيضا عن طريق الاتصال، ففي أيامنا هذه تُعَد الهواتف المحمولة قنوات رئيسية لزيادة الطلب على الخدمات الحيوية، مثل الخدمات الصحية والمالية. وعلى هذا فإن ضمان الوصول المتساوي الواسع النطاق للأجهزة المحمولة يشكل وسيلة قوية وقابلة للتطوير والتوسع لمساعدة كل الناس على اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن حياتهم الخاصة، في مجالات تتراوح من الصحة إلى التعليم إلى تشغيل العمالة.

إن تمكين الفتيات والنساء من الوصول إلى الإنترنت سواء كان ذلك باستخدام أجهزة محمولة يمتلكنها أو تلك التي يمكنهن استعارتها ليس سوى خطوة أولى، إذ يتعين علينا أن نضمن أيضا امتلاكهن للقدر الكافي من المعرفة الفنية لتمكينهن من الاستفادة الكاملة من الأجهزة التي يستخدمنها، وقد أظهر بحث مؤسسة Girl Effect أن الصبيان، في الإجمال، يستخدمون عددا من ميزات وقدرات الأجهزة المحمولة أكبر كثيرا مقارنة بالفتيات.

علاوة على ذلك، يتعين علينا أن ننظر فيما قد تجده الفتيات عند اتصالهن بالإنترنت، فهل المعلومات التي يتلقينها دقيقة؟ هل هن عُرضة للاستغلال؟ من الواضح أن تجاهل مثل هذه التساؤلات يعني إهدار فرصة سانحة، ولا يخلو من عواقب خطيرة.

لهذا السبب كانت مؤسسة Girl Effect تعمل على إنشاء مساحات آمنة على الإنترنت حيث يصبح بوسع الفتيات الوصول إلى معلومات يمكن التعويل عليها ومصممة لهن، واكتشاف الخدمات القيمة في المناطق التي يسكنّها، والتواصل مع أخريات يواجهن ويتغلبن على نفس التحديات. ويتلخص الهدف هنا في تعزيز الفضول والثقة في الذات، وتمكين الفتيات من ملاحقة أحلامهن.

بطبيعة الحال، لكي تتمكن مثل هذه المنصات من إحداث الفارق، يجب أن تكون جذابة للمستخدمين، وعندما تصل الفتيات إلى الإنترنت فإنهن قد لا يسعين إلى التعلم في حد ذاته، بل ربما يطلبن الترفية والتسلية فحسب، وينبغي لنا أن نعمل على تلبية احتياجاتهن حيثما كُن، فنقدم لهن التجارب الجذابة، التي تشكل أهمية بالغة لأولئك الذين يفتقرون إلى المعرفة الرقمية السهلة الاستخدام، ولتحقيق هذه الغاية، ينبغي إشراك الفتيات في عملية التصميم.

تستفيد الفتيات في إثيوبيا، ورواندا، وملاوي، من هذه المنصات بالفعل، وتطلق مؤسسة Girl Effect مبادرات مماثلة في الهند وتنزانيا، وفي كل من هذه البيئات، تُصَمَّم الأساليب بما يتفق مع الاحتياجات ووجهات النظر المحلية، ويُعاد تقييمها بشكل مستمر بغرض وضع التغيرات الطارئة على الوصول والاستخدام في الحسبان.

الواقع أن الأبحاث التي تثبت الفوائد البعيدة المدى ــ والمشتركة على نطاق واسع ــ المترتبة على المساواة بين الجنسين وفيرة؛ فعلى سبيل المثال، من الممكن أن يضيف رفع مستوى مشاركة الإناث في قوة العمل في الهند نحو 56 مليار دولار أميركي لاقتصاد البلاد، مما يجعل قوة العمل ككل أكثر ثراء بنحو 27%، وهذا بدوره كفيل بخفض معدلات الخصوبة وتمكين الاستثمار الأعلى في رأس المال البشري، وتعزيز النمو الاقتصادي السريع المستدام ودفع جهود التنمية.

لتأمين هذه المكاسب، يتعين على الحكومات وشركائها الاستثمار في المبادرات القائمة على التكنولوجيا، والتي تلبي احتياجات وتفضيلات الفتيات والنساء، ومن المؤكد أن إنشاء منصات آمنة وجذابة ومفيدة وتثقيفية على الإنترنت يشكل نقطة انطلاق جيدة.

* جيسيكا بوزنر أوديديه

* الرئيسة التنفيذية لمؤسسة «Girl Effect»

«بروجيكت سنديكيت، 2019» بالاتفاق مع «الجريدة»

لا يزال عدد النساء اللاتي يملكن هواتف أقل بنحو 184 مليوناً عن نظرائهن من الرجال ولا تزال إمكانية استخدام الإنترنت بين النساء أقل بنحو 26% من إمكانية استخدام الرجال لها
back to top