كيف ينبغي التعامل مع قضية «البدون»؟

نشر في 06-08-2019
آخر تحديث 06-08-2019 | 00:08
 فهد راشد المطيري في ظل أجواء الحديث عن قرب صدور قانون من شأنه حسم قضية عديمي الجنسية أو «البدون»، أريد من خلال هذا المقال إبداء مجرد رأي شخصي حول الطريقة التي ينبغي من خلالها التعامل مع هذه القضية التي بلغت عامها الستين من دون حل، لكن لابد لي أولاً من ذكر بعض الحقائق التي لطالما كانت عُرضة لسوء الفهم من طرف، أو التغافل عنها من طرف آخر.

لا أحد يملك الحق في إجبار أي دولة ذات سيادة على منح جنسيتها لأي فرد، والكويت دولة ذات سيادة، وبالتالي لا أحد يملك الحق في إجبار الكويت على منح الجنسية الكويتية لأي فرد من عديمي الجنسية، لكن من الضروري هنا التذكير بأن هذه الحقيقة لا تتعارض -بل هي منسجمة - مع الحقائق الأخرى التالية: أولاً، تُمارَس السيادة في ظل أحكام الدستور وتنظيم القانون ورقابة القضاء، ثانياً، لكل عديم للجنسية الحق في المطالبة بالمواطنة، ثالثاً، هناك مِن ضمن فئات عديمي الجنسية مَن اعترفت السلطة التنفيذية مراراً وتكراراً باستحقاقهم الجنسية الكويتية.

نأتي الآن إلى الطريقة التي ينبغي من خلالها التعامل مع قضية «البدون»، ولعل النقطة الجوهرية هنا هي أنّ نجاح أي قانون في حسم هذا الملف بطريقة عادلة ومسؤولة مرهونٌ بوضع النقاط التالية في الاعتبار:

1. وجود عديمي الجنسية في الكويت يُشير إلى واقع تاريخي- اجتماعي.

2. إنهاء معاناة عديمي الجنسية سيعود بالنفع على الجميع.

3. الحل الأمثل لهذه القضية يقتضي إشراك كل الأطراف المعنية في صياغته، وأهمها الطرف المتضرر.

لا يبدو أن (2) و(3) محلّ خلاف، فمجرّد التفكير بضرورة حسم القضية يتضمّن اعترافاً بفداحتها، ومعاناة «البدون» خير دليل على ذلك، كما أن إقدام رئيس المجلس على فتح قنوات للتشاور حول القضية مع بعض جمعيات النفع العام والناشطين الحقوقيين يتضمّن اعترافاً بأهمية إشراك الجميع في صياغة حلّ أمثل. لننتقل إذن إلى النقطة (1)، فهذه تحتاج إلى تفصيل.

الاعتراف بما جاء في (1) أعلاه يعني أن إقامة عديمي الجنسية في الكويت هي إقامة الأمر الواقع (de facto residence)، وإنكار هذه الحقيقة بات سياسة حكومية منذ ثمانينيات القرن الماضي، ثم اشتدّت حدّة الإنكار بعد ذلك مع ظهور مُسمّى «مقيمين بصورة غير قانونية» للإشارة إلى عديمي الجنسية، ولن يُجدي هنا التطرّق إلى أسباب هذا الإنكار، كما لا يُجدي هنا تعداد الدلائل الكثيرة على تهافته، لكن من المفيد عوضاً عن ذلك ذكر بعض المشكلات التي يثيرها هذا المُسمى، فمن جهة، في حال صدور قانون يختص بما يُسمّون «مقيمين بصورة غير قانونية»، فإنّ كل مخالف لقانون الإقامة في الكويت، حتى لو كانت المخالفة يوماً واحداً فقط، سيكون ضمن المستفيدين من هذا القانون، وهذه نتيجة طبيعية لاختيار مُسمّى يبلغ من الاتساع بحيث يضم فئات اجتماعية لا تُعاني أصلاً من انعدام الجنسية! من جهة ثانية، هناك أخبار شبه مؤكدة حول منح الجنسية لعدد محدود من عديمي الجنسية، لكن أيّاً كان العدد، فإنّ انتقال أفراد من مقيمين بصورة غير قانونية- حسب وصف الحكومة- إلى مواطنين كاملي الأهلية لا يُعدّ انتقالاً دراماتيكياً فحسب، بل إنّه يتضمّن أيضاً اعترافاً رسمياً بهضم حقوقهم على مدى 60 عاماً، وقد تترتّب على ذلك ضرورة إعادة الاعتبار لمعاناتهم طوال تلك العقود من الزمن! من جهة ثالثة وأخيرة، هناك أيضا تسريبات نُشرت في بعض الصحف حول معاملة بعض عديمي الجنسية معاملة شبيهة بالوضع القانوني للوافدين، ولكن إنْ صحّ ذلك، فإنّ مثل هذه المعاملة تبدو مستحيلة، ذلك أنّ ربط الإقامة بشرط العمل كان إحدى توصيات «لجنة ٨٦» للتضييق على عديمي الجنسية، وفي ظلّ قانون جديد يمنح إقامة قانونية لهذه الفئة، ولا يضمن لها فرصة عمل، لن يكون بالإمكان اشتراط الحصول على عمل لاستمرار صلاحية الإقامة كما هي الحال مع فئة «الوافدين»، فالوافد العاطل عن العمل له بلد يُمكن بسهولة ترحيله إليه، في حين أن عديم الجنسية، إذا بقي عاطلاً عن العمل مدى حياته، فلن يجد بلداً واحداً يُرحّب باستقباله، مما يعني خلق فئة اجتماعية تحظى بإقامة قانونية وعاطلة عن العمل!

لتفادي هذه المشكلات، ونظراً إلى أنّ أي قانون يختصّ بفئة مستفيدة من صدوره ينبغي له تعريف هذه الفئة، فإنّ أنسب حل للخروج من هذه المعضلة هو الاعتراف بإقامة الأمر الواقع الخاصة بعديمي الجنسية واعتماد تعريف القانون الدولي لمفهوم «عديم الجنسية»، أو على الأقل تعريف يتخذ من القانون الدولي نقطة انطلاقه، مثل: عديم الجنسية في دولة الكويت هو كل فرد (١) لا تعترف أي دولة بانتمائه القانوني إليها، و(٢) يملك دليلاً على إقامته أو إقامة أبويه في الكويت قبل تاريخ ١ أغسطس من عام 1990، و(٣) حافظ على إقامته في الكويت حتى صدور هذا القانون.

لا شك أن أهل القانون هم الأقدر على إيجاد تعريف أكثر مهنية، وليس الغرض من تقديم هذا التعريف المبدئي سوى التدليل على حقيقة أنه تعريف لا يعاني المشكلات التي يثيرها مُسمّى «مقيمين بصورة غير قانونية»، ولعلّ أهمها خطورة وضع الكويت في مأزقٍ هي في غنى عنه، وأعني بهذا المأزق إجراء وضع مؤشر لجنسية أجنبية استناداً إلى دليل لا يعترف بصحته إلا السلطة التنفيذية، فإذا كنا نطالب الجميع باحترام الحق السيادي للكويت، فمن الحصافة أيضاً أن نولي احتراماً للحق السيادي لدول أخرى، وتحديداً احترام حق كل دولة في تحديد قائمة المنتمين قانونياً إليها.

إذا كان منح الجنسية حقاً سيادياً للدولة، فإن ضمان الحقوق الاجتماعية- الاقتصادية لكل عديمي الجنسية واجب على الدولة، والحل العادل والشامل يقتضي ممارسة الدولة لحقها السيادي من دون إجحاف بحق الذين لطالما اعترفت السلطة التنفيذية باستحقاقهم لحق المواطنة، مثل حملة «إحصاء 65» وأبناء الكويتيات والمنخرطين في السلك العسكري، مع تحديد معايير موضوعية ينبغي توافرها لإتاحة الفرصة مستقبلاً أمام الفئات الأخرى للتقديم على ملف الجنسية، كما أنّ إنهاء قضية عديمي الجنسية إلى الأبد يقتضي أيضاً منح حق المواطنة للمواليد الجدد والقُصّر ممن لا يتمتّع ذووهم بهذا الحق.

بطبيعة الحال، لا حلّ ممكنا إلّا ما ترتضيه السّلطة، وليس لنا سوى التذكير بأن سياسة الابتزاز المؤسسي لتقليص أعداد عديمي الجنسية لن تكون بوابة لأي حلّ، فضلاً عن إيجاد حل عادل وشامل، كما أنّ ضمان الحد الأدنى من حقوق الإنسان ينبغي أن يكون أساس كل حلّ، وعسى أن تسود الحكمة بين أصحاب القرار في إيجاد حلّ يحظى بقبول كبير وينمّ عن إدراك شديد بروح المسؤولية تجاه الإنسان أولاً، وتجاه الدولة ثانياً.

* عضو منصة «الدفاع عن بدون الكويت»

back to top