دكتاتورية الديمقراطية

نشر في 30-07-2019
آخر تحديث 30-07-2019 | 00:05
 حمود الشايجي يرى البعض أن رفض فكرة الجماهير في وسائل التواصل الاجتماعي هو رفض لمفهوم الديمقراطية، وتكريس لمفهوم الدكتاتورية والاستبداد، ويغيب عنه أن مفهومي الديمقراطية والدكتاتورية من الممكن أن يكونا صورتين لعملة واحدة، وهذا في غالب الأمر، فرغم ابتعادهما بالمعنى الاصطلاحي فإنهما اليوم يمارسان وكأنهما كيان واحد، وما الدور الذي تقوم به هذه الأيام وسائل التواصل الاجتماعي إلا بدمقرطة الدكتاتورية أو دكترة الديمقراطية، فخلط الأوراق جزء مما قامت به السلطات بأشكالها المتعددة ودعمته.

ولم يكن القائمون على شركات وسائل التواصل الاجتماعي أصحاب أياد نظيفة، فما تقوم به هذه الشركات من تسجيل للأفراد لكل ما يرونه ويسمعونه وحتى ما يقولونه، وحفظ هذه التسجيلات في قاعدة بيانات خاصة بكل فرد تستخدم لتحديد اختياراته المستقبلية وفق دراسة شخصيته ما هو إلا انتهاك لخصوصيته.

فعن طريق قاعدة البيانات هذه يمكن الكشف عن لون الفرد المفضل أو موسيقاه المفضلة، ومدى تأثير هذا اللون فيه أو هذه الموسيقى، ومدى إقدامه أو تراجعه عند رؤيته لهذا اللون أو لسماعه هذه الموسيقى، فيتم استخدام هذه المعلومات عند الحاجة كمؤثر على لا وعي الفرد في اختيار أي خيار يراد له أن يختاره.

وهذا ما استفادت منه بعض شركات التواصل الاجتماعي ببيعها هذه البيانات لأصحاب السلطة، من سياسيين للفوز في الانتخابات، وإلى أصحاب سلطة أخرى مثل الشركات الكبرى التي تستطيع شراء هذه البيانات، ولقد كشفت طرق هذه التسريبات، وتسبب هذا الكشف في خسائر كبيرة في أسهمها وتكبلها غرامات كبيرة جداً، ورغم ذلك لم تنهر كلياً إلى الآن لما فعلته بـ"جماهيرها"، الذين أدمنوها ولا يقدرون على العيش من دونها. لأنهم استطاعوا أن يحولوا أنفسهم عن طريق دراسة سيكولوجية الجماهير إلى حاجة لا يمكن الفرار منها.

بهذا التعاون بين السلطات بأشكالها والقائمين على وسائل التواصل الاجتماعي، تم خلط الأوراق فلم تعد الديمقراطية ديمقراطية ولا الدكتاتورية دكتاتورية، وحتى لا نعطي الأمر أكبر من حجمه، فإن الأمر ما هو إلا لعبة للإلهاء واستغلال هذا الإلهاء. السؤال هنا: إلى متى ستستمر؟ (يتبع الأسبوع المقبل).

back to top