يوسف المشاري... الغائب الحاضر

نشر في 29-07-2019
آخر تحديث 29-07-2019 | 00:20
 أ.د. غانم النجار "تداول الناس أمس أوراقاً ومتعلقات قيل إنها وجدت في مقبرة بالعراق، لها علاقة بالشهيد يوسف المشاري، ظهور تلك المتعلقات أعطاها بعداً رمزياً، وكأن أبا يعقوب يذكرنا بما مضى، قد تكون له أو لا تكون، وقد يحتضنه تراب الوطن بعد غياب دام ٢٩ عاماً، لأستعيد إحدى مقالاتي عنه وعن رفاقه الأبطال".

تسع وعشرون سنة منذ افترقنا في ليلة أكتوبرية تائهة.

تلك الليلة الباهتة التي اختفى فيها يوسف ثنيان المشاري ورفاقه، قيادة المقاومة، حين داهمنا عسس الغزاة في بيت بالنزهة. في تلك الليلة، كنا نتحدث عن كيفية الصمود بأقل الخسائر الممكنة، كيف نتجنب خسارة المدنيين، كيف نوصل معاناتنا للعالم عبر تلفون وفاكس الستلايت، وكيف نرفع معنويات الصامدين؟ كيف ومتى نتوقع خروج الغزاة، وماذا عن المستقبل؟ الأهم عودة الوطن، ولكل حادث حديث. كان قد مضى على الغزو العراقي أكثر من شهرين. كان أبويعقوب بشخصيته السلسة وابتسامته المعبرة يتعامل مع الظروف الصعبة الناتجة عن انهيار البنية التحتية للدولة، وتداخل النزعات الذاتية. تعاملنا معاً مع ظروف صعبة سابقاً عندما كنا في مجلس إدارة نادي القادسية قبل الغزو بأربع سنوات. حين تم حل مجلس إدارة اتحاد كرة القدم، وتعيين اتحاد برئاسة شخصية فذة كعبدالعزيز المخلد شافاه الله، كان المخلد حينها رئيساً لنادي القادسية، وكان يوسف نائباً للرئيس ونحن أعضاء. اضطر بوخالد لترك رئاسة النادي للاتحاد، وتمكن المنتخب بقيادته ورفاقه من تحقيق الفوز بكأس الخليج في البحرين بفترة قصيرة جداً. وبالتالي صار يوسف المشاري رئيساً للنادي. كانت ظروفاً صعبة جداً، تمكنا بقيادة بويعقوب من الخروج منها بنتائج جيدة، تلا ذلك حراك ديوانيات الاثنين قبل الغزو بسنة، وكان يوسف على الضفة الأخرى ولكن بطعمه الخاص. ضحكنا بسخرية مرة الآن الظروف أكثر فداحة، نواجه الموت في كل لحظة لا يمكن مقارنتها، فالفرق بين الحياة والموت تحت الاحتلال فحيح رصاصة ضالة وما أرخصها، كنا مدركين ذلك، وكان يوسف قدوتنا بالصمود. عندما التقينا، قلت لأبي يعقوب: أرجو أن تأخذ الحذر، فأجاب وكذلك أنتم انتبهوا، واستطرد: نحن نموت باليوم خمسين مرة، في كل مرة نتعرض للتفتيش، صحيح، دون تعليق. لسخرية الموقف، رغم الحذر، كلانا تعرض للأسر، بظروف مختلفة. نحن كنا أكثر حظاً فعدنا للوطن بعد التحرير، بينما يوسف المشاري ورفاقه مازالوا هناك، فهل يعقل أننا لم نتمكن من استعادة رفاتهم حتى الآن؟ هل نسيهم الناس؟ نحن لن ننساكم على كل حال.

عندما داهمنا الغزو العراقي كان يوسف المشاري في إجازته بجنوب فرنسا، فعاد سريعاً للوطن الجريح، وتحمل مهمة قيادة المقاومة. في ذلك اليوم الكئيب، وتلك الليلة الليلاء، كنا قد التقينا بعد المؤتمر الشعبي في السعودية، وكان مناضل آخر هو عبدالوهاب المزين قد عاد من الخارج للمرة الثانية. التقينا لتقييم الموقف في البيت الذي ضاع فيه الأحبة. شاءت الظروف أن ننجو وأن يختفي الأبطال من بيننا.

كانت ليلة توقف فيها الهواء، ويبس فيها الحلق، وجف فيها الدمع في المآقي. ليتك يا أبا يعقوب كنت معنا في زمن تراجعت فيه القيم، وكيف أننا لم نتعلم من درس بحجم الغزو.

كم ضاعت بغيابك أشياء وأشياء، كانت تلك الليلة هي نكسة بعد نكبة، فنكبة الغزو تلتها نكسة اعتقالك أنت ورفاقك.

لا أعرف تحت أي أرض ترقد، فقد بحثت عنك وعن كل الأسرى ممن جادت أرواحهم دفاعاً عن هذا الوطن الجريح، في أرض العراق من أقصاه إلى أقصاه، وسنستمر في البحث عنكم، وأياً كان مكانك يا صديقي، ارقد بسلام، فأنت لا تستحق إلا السلام، وليرحمنا الله برحمته، وليرحم الله أسرانا وشهداءنا وقد نسيهم الناس، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

back to top