التطهير العرقي في وادي الحمص بداية خطيرة لضم الضفة الغربية

نشر في 28-07-2019
آخر تحديث 28-07-2019 | 00:08
 مصطفى البرغوثي لم تكن مجزرة هدم بيوت حي الحمص في صور باهر، مجرد عملية إجرامية أخرى، ليس فقط لأنها جرت في مناطق يسميها اتفاق أوسلو «أ» و«ب» وصلاحية ترخيص البناء فيها بيد السلطة الفلسطينية، فهذه ليست المرة الأولى التي يهدم فيها الاحتلال بيوتاً في مناطق «أ» و«ب»... فعل ذلك عندما هدم بيوت الشهداء وبيوت الأسرى المناضلين في قلب رام الله ومخيم الأمعري، وبيرزيت، وكوبر، والخليل، وبيت لحم، وجنين وغيرها... وفعل ذلك في مخيم جنين وفي كل مدن الضفة والقطاع أثناء اجتياحها وإعادة احتلالها في عام 2002، ومارس ذلك الإجرام في عمليات القصف الجوي والمدفعي والبحري أثناء الاعتداءات المتتالية على قطاع غزة.

الجديد في حالة صور باهر أن العملية برمتها مثلت تجسيداً لبرنامج التطهير العرقي الذي أعدته الحكومة الإسرائيلية، وبداية للضم الفعلي للضفة الغربية كلها، وإثباتاً عملياً على تصفية إسرائيل بقيادة نتنياهو لاتفاق أوسلو، وجميع الاتفاقيات التي عقدت بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل... وأكثر من ذلك، تمثل عملية التطهير العرقي في وادي الحمص التنفيذ العملي لمبادئ «صفقة القرن» التي يروج لها فريق ترامب.

وقد تمت العملية بغطاء أميركي كامل، منح لحكام إسرائيل الضوء الأخضر لأكبر عملية توسع استيطاني منذ عقود، ووفر الحماية لإجراءاتها في مجلس الأمن.

ما يجب إدراكه أن «صفقة القرن»، أو على الأصح، «صفقة القبر» تطبق بخطين متوازيين، الأول يتمثل في الإجراءات الإسرائيلية العملية على أرض الواقع من استيطان وتهويد وتطهير عرقي كما جرى في صور باهر، والثاني يتمثل في المنهج الأميركي الجديد (البارادايم) الذي يعمل جاهداً لإلغاء وتصفية الحقوق الفلسطينية، والذي تمثل في تصريحات جرينبلات المتتالية، من إلغاء فكرة الدولة، وما يسمى بـ«حل الدولتين»، إلى إلغاء اسم المستوطنات واستبداله بتعبير «أحياء ومدن»، إلى شطب اسم الضفة الغربية واستبداله بـ«يهودا والسامرة»، إلى أوقح الأمور بالتنكر للقانون الدولي، والقرارات الدولية، كما فعل جرينبلات في جلسة مجلس الأمن التي عطل فيها إصدار إدانة لعمليات الهدم الإسرائيلية.

ما نواجهه ليس مجرد عملية هدم أخرى، بل عملية ضم وتهويد للضفة الغربية كلها... والرد على ذلك لا يمكن أن يكون في إطار ما هو متبع، أو في استمرار النهج والاتفاقيات التي مزقتها إسرائيل بقيادة نتنياهو.

الرد يجب أن يكون في تبني نهج واستراتيجية فلسطينية بديلة وشاملة، تقوم على إدراك «زوال وهم أننا في مرحلة حل وتسوية مع الحركة الصهيونية»، وتستند إلى الإيمان بضرورة خوض النضال الوطني التحرري ليس فقط ضد الاحتلال بل ضد كل منظومة الأبارتهايد والتمييز العنصري، مهما بلغت التضحيات، ومهما كان مؤلما لبعض الجهات ثمن التخلي عن مكاسب ذاتية، ومنظومات ومؤسسات بيروقراطية، وعلاقات أمنية أنتجتها الاتفاقيات السابقة.

وقد جاء القرار الذي أعلنه الرئيس محمود عباس بوقف العمل بالاتفاقيات مع إسرائيل سليماً تماماً، وسيحقق التأثير المطلوب إن تم تنفيذه فورا، وبما يشمل وقف كل أشكال التنسيق الأمني، وإن تبعه جهد حقيقي لإنهاء الانقسام وتوحيد الصف الوطني.

ولا سبيل لاستعادة ثقة الشعب، وتفعيل مشاركته في الكفاح الوطني، إلا بالتبني الفعلي والتطبيق العملي للنهج البديل، بما في ذلك إنهاء الانقسام وبناء قيادة وطنية موحدة والتحرر الكامل من قيود الاتفاقيات التي ألغى نتنياهو كل الالتزامات الإسرائيلية الواردة فيها.

كلمة أخيرة للدول التي أصدرت بيانات الاستنكار لعمليات الهدم، نشكركم، ولكن إداناتكم لا تكفي، ولا قيمة لها، إن لم تترافق مع إجراءات عقابية ضد إسرائيل، ولديكم الكثير مما تستطيعون فعله في هذا المجال إن كانت الإرادة متوافرة.

بسام الشكعة اسم سيبقى خالداً

غادرنا بسام الشكعة، المناضل العنيد والصلب، الذي مثل جيلاً مميزاً من مناضلي الأرض المحتلة ممن حموا منظمة التحرير الفلسطينية، وأفشلوا مؤامرات شمعون بيريز وإسرائيل لخلق قيادة عميلة وبديلة للحركة الوطنية الفلسطينية.

وبقيادة الجبهة الوطنية الفلسطينية ولجان التوجيه الوطني والتي كان من أبرز قادتها بسام الشكعة، وحيدر عبد الشافي، وكريم خلف، وبشير البرغوثي وإبراهيم الدقاق، ووحيد الحمد الله، وفهد القواسمي وأحمد حمزة النتشة، تحولت البلديات الفلسطينية والمدن والقرى إلى قلاع نضال، وبؤر للوحدة الوطنية، شقت الطريق لانفجار الانتفاضة الفلسطينية الأولى.

وبقيادة بسام الشكعة أُسقطت مستعمرة آلون مورية الأولى، وتصدى الشعب الفلسطيني للاستعمار الاستيطاني، وثمن ذلك كانت عمليات التفجير الإرهابية الصهيونية ضد رؤساء البلديات التي أفقدت بسام الشكعة قدميه، ولكنها جذرت مكانته وبسالته وبطولته عميقا في أرض فلسطين.

لم يبحث بسام الشكعة عن جاه، أو منصب، أو مال، ولم ينحرف قيد أنملة عن مبادئه، ولذلك كرمه الشعب الفلسطيني بكل شرائحه، وكرمه شرفاء الجولان والعرب، وحفروا اسمه في قلوب أبنائهم وبناتهم، وفي سجل الخالدين.

*الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية

back to top