«طفلي ما يسوي چذيه»!

نشر في 26-07-2019
آخر تحديث 26-07-2019 | 00:03
 د. نبيلة شهاب جملة نسمعها من بعض الأمهات أو الآباء، حين يُنقل إليهم سلوك غير مقبول قام به طفلهم مع الأطفال الآخرين... فهل هو إنكار؟ أم أنهم صادقون في كلامهم ولم يروا ذلك الجانب الخافي من شخصية طفلهم؟

قد يكون هذا أو ذاك أو حتى شيئاً آخر، لنفترض أن أحد الأبوين أو كليهما صادق فيما ذكره، ولم ير الطفل يضرب غيره من قبل بهذه الطريقة، فهل يعني ذلك أن الحادثة لم تقع؟!

الطفل هنا لا يعاني انفصاماً في الشخصية أبداً، فهو كأي طفل عادي، لكنه يعاني مشكلة سلوكية ويتصرف تصرفات مختلفة، وقد تكون متضادة، حسب اختلاف المكان والأفراد الذين يتعامل معهم، وهو بكل وعيه يمارس ذلك... ما الذي شكل شخصيته وأثر فيها وجعله مسالماً مهذباً في الظاهر وعدوانياً في الخفاء؟

الأسباب كثيرة، وقد تتداخل، وأهمها معاملة الوالدين وأسلوب تنشئتهما للطفل، والتي تعتبر العامل الأساسي لبناء وتشكيل شخصيته وطريقة تعامله مع ذاته ومع الآخرين، فعلى سبيل المثال الطفل الذي يعامله والداه أو أحدهما بقسوة ويستخدمان معه أسلوب العقاب البدني واللفظي والنفسي، من المتوقع أن يدفعه ذلك إلى الشعور بالغضب والألم والحنق والحزن، وتكون لديه رغبة الانتقام، ولأنه لا يستطيع أن يضرب الوالدين أو يتطاول عليهما لفظياً أو يسبب لهما ضغطاً نفسياً وإحباطاً وتحقيراً للذات وغيره، كما فعلا هما به، نجده ينقل شعوره وسلوكه الانتقامي إلى زملائه أو أي طفل آخر قد يصادفه أو حتى إلى الحيوانات.

كما أن بعض الأطفال يتقمص دور الأب أو الأم القاسيين، ويقلدهما، فيمارس القسوة ضد الأطفال الآخرين، لأنه يظن أن هذا هو الأسلوب الوحيد للتعامل مع الآخرين أو الأسلوب الصحيح أو الذي يوصله لمبتغاه، ولأن والديه هما قدوته ومثاله في كل أمور حياته، يكون من السهل عليه تقليدهما دون الشعور بالذنب أو تأنيب الضمير.

وقد يكون أحد أسباب السلوك العدواني قمع الوالدين للطفل وتقييدهما لحريته، فالحد من ممارسة الطفل لحريته في الأكل والشرب واللبس واختيار الأصحاب واللعب والاستمتاع بوقته يدفع الطفل إلى كبت غضبه، ومن ثم يقوم بتفريغه والتخلص منه بعدة أشكال من أهمها السلوك العدواني مع الأطفال الآخرين.

وللتفرقة بين الأبناء آثار جسيمة، منها السلوك العدواني للطفل، فالغيرة تدفعه إلى الغضب الشديد والحقد على الوالدين وعلى الأخت أو الأخ الذي يفضله الوالدان أو أحدهما عليه، فنجده غالباً ما يوجه غضبه إلى هؤلاء الإخوة، وقد يتعداه إلى الاعتداء على أطفال آخرين. ونتيجة لذلك، كثيراً ما تَفرق أقارب وأصدقاء بسبب شجار حصل بين الأطفال، فدفاع كل أم أو أب عن أطفالهما واتهام أطفال الآخرين لهما شرارة جفاء يشعلها هؤلاء الآباء الذين لا ينظرون إلى الأمور بطريقة موضوعية دون أن يتأنوا ويستمعوا إلى كل الأطراف ويتساموا بردود أفعالهم قبل أن يطلقوا الأحكام ويستنفروا للدفاع عن أطفالهم.

أطفالنا ليسوا ملائكة دائماً ولا أطفال الآخرين شياطين، فكثيراً ما تحولت سلوكيات الطفل إلى النقيض حسب المواقف وحسب من يتعامل معهم، جميل لو اعترفنا وقبلنا أن يكون أطفالنا هم المخطئين، ولا عيب في ذلك مادام يتبعه اعتذار للآخرين، واحتواء للطفل وتوجيهه وتعليمه الطرق الصحيحة في تقبل الآخرين واحترامهم وحسن التعامل معهم، والأهم من كل ذلك معرفة سبب هذا السلوك غير المقبول ومحاولة التعامل معه من جذوره...

فلنتوقع ولنتقبل أن أطفالنا "ممكن يسوون چذيه!".

back to top