اختلاف المصالح عنوان الحقبة الجديدة بين أميركا وتركيا

نشر في 25-07-2019
آخر تحديث 25-07-2019 | 00:00
 ذي ناشيونال يبدو أن العلاقة الوثيقة التي جمعت بين الولايات المتحدة وتركيا يوماً أصبحت جزءاً من الماضي، لم يعد البلدان شريكَين استراتيجيين، ومن المستبعد أن يتغير هذا الوضع في المستقبل القريب، حتى أن الروابط المتبقية قد تتدهور بدرجة إضافية!

في الأسبوع الماضي، أقصت الولايات المتحدة تركيا من "البرنامج المشترك لتصنيع المقاتلات إف-53"، وكان هذا نتيجة مباشرة لتلقي تركيا نظاماً دفاعياً بصواريخ "إس-400" من روسيا، والتي لا تتماشى مع معدات حلف شمال الأطلسي، وقد صُمّمت أصلاً لإسقاط الطائرات الأميركية، وفي الأيام المقبلة، من المتوقع أن تتعرض تركيا أيضاً للعقوبات بموجب "قانون مكافحة أعداء أميركا".

يظن البعض أن سبب تدهور العلاقة يتعلق بإقامة فتح الله غولن في الولايات المتحدة، غولن هو رجل الدين التركي الذي يتهمه الرئيس رجب طيب إردوغان بتنظيم محاولة الانقلاب ضده في يوليو 2016، لكن آخرين يظنون أن تركيا اعتبرت إقدام واشنطن على تسليح "وحدات حماية الشعب" في معركتها ضد "داعش" خيانةً لها، بما أن أنقرة تعتبر هذه الجماعة السورية الكردية جزءاً من "حزب العمال الكردستاني" الانفصالي الذي تحاربه تركيا منذ الثمانينيات.

تذكر جهات أخرى أن واشنطن مستاءة لأن تركيا سرّبت موقع القوات الأميركية في سورية، وتجاهلت مرور المقاتلين فيها للانضمام إلى "داعش"، واعتقلت موظفين من القنصلية ومواطنين أميركيين، وساعدت إيران على إضعاف مفعول العقوبات الدولية.

لكن هذه العوامل كلها تبقى مجرّد جزء من أعراض المشكلة، أما السبب الحقيقي فيتعلق باختلاف المصالح الاستراتيجية الأميركية والتركية في السنوات الأخيرة. كانت تركيا والولايات المتحدة شريكتَين استراتيجيتَين خلال الحرب الباردة، أما اليوم، فلا وجود لأي تهديد مشترك يبرر استمرار تلك الشراكة.

تتعلق أبرز المخاوف الاستراتيجية بنظر واشنطن على الأرجح بالانتشار النووي، لا سيما نشاطات إيران وكوريا الشمالية، وتوسّع النفوذ الصيني، والعدائية الروسية في أوروبا وما وراءها، والتهديدات المستمرة من "داعش" و"القاعدة"، وغياب الاستقرار في الشرق الأوسط وأميركا اللاتينية.

في المقابل، لا يقلق إردوغان من تحركات الصين أو روسيا أو كوريا الشمالية، كذلك، تعتبر أنقرة "داعش" و"القاعدة" مصدر تهديد أحياناً، لكنها تغفل عن تحركاتهما في مناسبات أخرى. وفي السنوات الأخيرة، لم تعد تركيا تعتبر إيران جزءاً من التهديدات، بل إنها أصبحت أقرب إلى الشريك الاستراتيجي والتجاري.

يهتم إردوغان وطبقته الحاكمة بشكلٍ أساسي بـ"حزب العمال الكردستاني" و"حركة غولن"، أي أتباع الواعظ المنفي، لكنّ هذين الطرفَين عدوان داخليان ولا يطرحان أي خطر فعلي على الولايات المتحدة. تحت قيادة إردوغان و"حزب العدالة والتنمية" الحاكم، يبدو أن أنقرة تعتبر الولايات المتحدة مصدر تهديد، حتى أنها قد تضعها بمصاف الأعداء، نظراً إلى دعم واشنطن لـ"وحدات حماية الشعب" ونظرية المؤامرة التي تتهمها بتنظيم محاولة الانقلاب في 2016.

أمام هذا الوضع، أصبحت روسيا بنظر أنقرة وسيلة لمجابهة الولايات المتحدة، كذلك، منحت روسيا السلطات التركية دوراً في رسم مستقبل سورية، ودعمتها ضد "حركة غولن"، كما أنها لا تعوق مساعيها للتحول إلى قوة إقليمية عظمى. في غضون ذلك، أثبت نموذج الإصلاح الديمقراطي التركي أنه فارغ المضمون غداة حملات القمع الوحشية لاحتجاجات حديقة "جيزي" عام 2013، ثم انهارت أي آمال متبقية بإحداث تغيير فعلي في تركيا عام 2016. تعرّض مئات الآلاف من موظفي الدولة وعناصر الأجهزة الأمنية حينئذ للنفي أو الاعتقال، وفي السنة اللاحقة، حصد إردوغان صلاحيات لا تُضاهى بعد تعديل الدستور. تبلغ قيمة التبادلات التجارية بين الولايات المتحدة وتركيا 20 مليار دولار، ومع ذلك تحتل تركيا المرتبة 32 على لائحة أهم الشركاء التجاريين، منذ 2015، زادت قيمة التبادلات التجارية بدرجة بسيطة. وفي مارس، أعلنت واشنطن إنهاء اتفاقية التجارة التفضيلية مع تركيا. وبعد استبعاد أنقرة من "برنامج المقاتلات إف-35"، وفي ظل العقوبات المرتقبة والركود الاقتصادي القائم، لا يبدو مستقبل تركيا مشرقاً!

* سايمون والدمان

back to top