جلاوجي: الأديب ليس مؤرخاً... والنقد صار «بعبعاً» يخيفني

كرّس مصطلح «المسردية» في الوجدان العربي

نشر في 23-07-2019
آخر تحديث 23-07-2019 | 00:02
الأديب والناقد الجزائري عزالدين جلاوجي
الأديب والناقد الجزائري عزالدين جلاوجي
أثرى الأديب والناقد الجزائري عزالدين جلاوجي المكتبة العربية بالعديد من المؤلفات التي تعد من ركائز الثفافة العربية، وهو القائل "الأديب ليس مؤرخاً كما أن النقد صار بعبعاً يخيفني"، كما كرس مصطلح "المسردية" في الوجدان الأدبي الجزائري والعربي، وتنوعت كتاباته في مجالات الرواية والقصة والمسرحية والنقد، وهو أحد المؤسسين لـ "رابطة إبداع الثقافية الوطنية" وعضو مكتبها الوطني منذ 1990، ورئيس "رابطة أهل القلم" منذ 2001، وعضو "اتحاد الكتاب الجزائريين".
وحول أعماله وإسهاماته ومسيرته، التقته "الجريدة
في الحوار التالي:

● تمتد تجربتك الإبداعية أكثر من أربعين عاماً، ما أبرز ملامحها؟

- بدأت تجربتي الإبداعية المتواضعة، منتصف الثمانينيات عبر الصحف الوطنية والعربية التي احتضنت كتاباتي الأولى في القصة، والتي توجت سنة 1994 بصدور مجموعتي القصصية الأولى "لمن تهتف الحناجر؟" التي قدم لها الناقد الجزائري الكبير د.عبد الله ركيبي (رحمه الله) بكثير من الاحتفاء، مما دفعني قدماً إلى تعميق تجربتي، فكانت مجموعتي القصصية الثانية "صهيل الحيرة" والتي جاءت بشكل مختلف تماماً، مما جعل النقاد ومنهم الروائي الكبير محمد ساري يرون أنها مغامرة في ميدان التجريب، وانفتحت تجربتي بعد ذلك على المسرح، وكتبت للكبار والأطفال.

وسنة 1999 كانت روايتي الأولى "الفراشات والغيلان"، ثم "روايتي "سرادق الحلم والفجيعة" التي رفعت لواء التجريب عالياً، مما لفت إليها كثيراً اهتمام النقاد داخل الوطن وخارجه، ومع توالي إصداراتي الروائية والمسرحية، خضت غمار النقد، وقدمت عملين أعتقد أنهما كانا سابقين في موضوعها، الأول في "النص المسرحي في الأدب الجزائري"، والثاني "المسرحية الشعرية في الأدب المغاربي المعاصر"، ولعل القلق الذي يساورني دوماً في البحث عن جزر إبداعية مجهولة دفعت بي لخوض التجريب على مستوى النص المسرحي، فكان ما اصطلحت عليه "المسردية" ثم مسرح اللحظة أو المسردية القصيرة جداً، وفي مكتبتي الآن ثماني روايات، وأربع عشرة مسردية، وعشرة كتب نقدية، وثلاث مجموعات قصصية، وللأطفال أربعين مسرحية، وست قصص، وهناك أعمال في الأفق رواية ومسردية، على أمل أن أخلص لهذين الفنين، وأطلق غيرهما، خصوصاً النقد الذي صار "بعبعاً" يخيفني، بما فيه من سحر قد لا يقاوم أحياناً، وقد حظت تجربتي بكثير من اهتمام الدارسين والنقاد وقدمت عنها عشرات الرسائل الجامعية على مستوى الدكتوراه والماجستير.

● بعد هذه المسيرة كيف تنظر الى أعمالك وهل يمكن إعادة كتابة أحدها؟

- أنا أنظر دوماً لكل أعمالي بتقدير، لأنها تمثلني كيفما كانت، فهي في النهاية تعكس مرحلة من تجربتي، وتكشف عن رؤية جمالية وفكرية قد أكون تجاوزتها لكنها تظل إحدى خطواتي التي قطعتها بثبات على درب الإبداع، لكنني أعيد النظر فيما كتبته من مسرح، إذ كتبت نصوصي أول الأمر ونصب عيني الخشبة، وبعد تجربة طويلة في عالم المسرح قراءة وإبداعاً ونقداً واحتكاكاً بالخشبة وبالمتلقين أعدت النظر في نصوصي جذرياً وخضت فيها تجربة مختلفة لقيت صداها في الجامعات الجزائرية وغيرها، وقدمت عنها عشرات الرسائل الجامعية، بل ودخل ما اقترحته من مصطلحات بعض المعاجم المسرحية، وستصدر قريباً هذه النصوص في شكل مختلف، هذا بالنسبة للكتابة المسرحية المسردية الموجهة للكبار، أما غير ذلك فلم أعد فيه النظر، رغم أن جل رواياتي صدر في طبعات مختلفة فاق الخمس أحياناً.

أول رواية

● كيف ترى حالياً رواياتك الأولى "الفراشات والغيلان" و"سرادق الحلم والفجيعة"؟

- رواية "الفراشات والغيلان" كانت تجربتي الأولى في كتابة الرواية سنة 1999، وترجمت للإسبانية، وأنا فخور بها من جملة من الزوايا، أولاً قد تكون أول رواية جزائرية تعرض عوالم غير جزائرية وغير عربية بالمطلق، بل عانقت همّا إنسانياً، مما جعلها رواية إنسانية، فيها دعوة للمحبة والتسامح، دعوة لنبذ العنف والاقتتال والإقصاء والتهميش، دعوة لحماية العزل والأبرياء خصوصاً الأطفال والنساء، بل ولعلها أول رواية جزائرية أيضاً يكون بطلها والراوي فيها طفل والأمر ذاته في رواية "سرادق الحلم والفجيعة"، التي صدرت في ذات العام 1999، فكانت ثورة مختلفة في عالم السرد من خلال عوالمها العجائبية والرمزية، ومن خلال كسرها لتابوهات السرد - إن جاز قول ذلك - رغم أن الرواية فن غير مكتمل.

● ما أهم الإشكاليات أمام نهضتنا ،لاسيما أنك تركز على الجزائر والعرب؟

- لعل أهم الإشكالات هي كيف نقرأ التاريخ وكيف نقرأ الموروث للأسف مازلنا حبيسي قفص الماضي وقفص السلف، من الإشكالات أيضاً كيف يمكن أن نكون حداثيين دون أن نفقد خصوصياتنا، ثم كيف يمكن أن نقدم الأروع للعالم لنشارك في الحضارة الإنسانية كما ساهم فيها أسلافنا.

هي كذلك أعمالي للجزائر والعرب، وقد أشرت إلى وجوب الإنطلاق من المحلية لتحقيق العالمية، لا يهم الآخر أن نقدم له نصاً بمقاسه، بل يهمه أن نقدم له المختلف عنه، ما يعبر عن ذوقنا وإحساسنا ومشاعرنا وأخيلتنا وعبقريتنا، لذا أسعى دوماً أن أقدم المختلف رواية ومسرحية، مما يرتبط بنا ليس على مستوى الموضوع فحسب بل على المستوى الجمالي والفني أيضاً، وهذا كان هاجس الكبار من توفيق الحكيم ونجيب محفوظ إلى ونوس وعز الدين المديني وبرشيد، ولاشك أننا أمة تمتلك خزاناً إبداعياً لاينضب، يجب الحفر في أعماقه، يجب تفجيره واستنطاقه.

قيد النشر

● هل نشرت كل ما أبدعته من قصص وروايات؟

- لا، هناك جهد نقدي كبير لم ير النور، وكتابات مسرحية مسردية لم تنشر أو نشرات في طبعات محدودة، بل وعثرت على نصوص مسرحية مخطوطة كتبتها في فتوتي الأولى وأنا في العشرين من عمري، لست أدري لماذا أهملتها، نسيتها أم لم تكن تقنعني؟ لست أدري، لكنها سترى النور قريباً أيضاً، لأنها كما قلت آنفاً، هي جزء من حياتي الإبداعية.

● ما يشغلك الآن؟

- أعكف على إتمام الجزء الثالث من السداسية، حين أكمله أكون قدمت أكثر من 1800 صفحة في هذه الملحمة التاريخية إن جاز تسميتها كذلك، ولي مشاريع أخرى أحاول التخطيط لها.

سيرة وأعمال وجوائز

يعد عز الدين جلاوجي إحدى القامات الأدبية في الجزائر حصل على دكتوراه العلوم من "جامعة القسطنطنية" في الجزائر، ومؤسس ومشرف ومشارك في العديد من الملتقيات الثقافية. ويكتب في مجال النقد والرواية والقصة والمسرحية ومن أعماله الروائية: "رأس المحنة" و"الرماد الذي غسل الماء" و"العشق المقدنس" و"حائط المبكى"، ومن مسردياته: "أحلام الغول الكبير" و"البحث عن الشمس" و"التاعس والناعس" و"الأقنعة المثقوبة" و"الفجاج الشائكة" و"حب بين الصخور" و"مسرح اللحظة مسرديات قصيرة جداً". وفي مجال الدراسات النقدية قدم كل من: "النص المسرحي في الأدب الجزائري" و"شطحات في عرس عازف الناي" و"الأمثال الشعبية الجزائرية بمنطقة سطيف"، ومن أعماله القصصية: "لمن تهتف الحناجر؟" و"صهيل الحيرة" .

ونال العديد من الجوائز منها: جائزة جامعة قسنطينة و"مليانة في القصة والمسرح" و"المسيلة"، و"وزارة الثقافة بالجزائر" لعامي 1997 و1999.

«الفراشات والغيلان» كانت تجربتي الأولى في كتابة الرواية
back to top