لوعة كبد

لربما من المفيد جداً لو أن الكويت دفعت لكل فرد من أفراد شعبها قيمة تحليل الدم الذي يكشف البعد العرقي والامتداد الأصولي والذي يعتبر أحدث التحاليل الحالية القادرة على سبر غور البيولوجيا التاريخية الإنسانية. هذا التحليل، بشهادة من أجراه، كشف ضحالة الكثير من الأفكار وسخف الكثير من الاعتزازات وهلامية فكرة الأصول والامتداد العرقي، وحقيقية فكرة التشابك البشري والتجذر بجذور لا يمكن أن يتوقعها إنسان. هذا التحليل باعث مهم على التواضع، تجربة مهمة كاسرة للأفكار البائدة المريضة حول الأصالة والعراقة، ومحطم قوي للفخر المزيف تجاه الامتداد الدموي النقي الذي لا وجود له في واقع الإنسان البيولوجي. تطور العلم وعرفنا حقيقة أصولنا المتواضعة جميعاً، فرداً فرداً على سطح الأرض، بل تعلمنا عن حقيقة جنسنا المتوحش الذي قضى على كل الأجناس البشرية الأخرى التي عاشرته مثل النياندرثال وغيرها، اكتشفنا أخيراً سخف الفخر بالأصول الكاذبة والعراقة الزائفة والدماء النقية الهلامية، والتي هي كلها أفكار حطمها العلم وأثبت سخفها العميق وتفاهة بنائها الركيك. ومع كل ذلك ورغم كل ذلك، لا تزال هناك أعداد ضخمة من سخفاء فارغي البشر الذين يتمسكون بعراقة الأصل ونقاء الدم والامتداد الأصولي، لا يزالون يقولون "عيال بطنها، وأصيلين، ومو من مواخيذنا" ويتغنون بأمجاد عائلاتهم وعراقة سلسال دمائهم وعظمة أصولهم، وهم وأنا ونحن جميعاً، مجرد كائنات منحدرة من سمكة. في بعده الحقيقي، ولمن يستطيع رؤية الصورة من الخارج، المنظر متشرذم، مجنون، غاية في الكوميدية، سخافة ليس لها أي عقل أو منطق، أساطير بشرية لا أساس ولا عقل ولا أصل علمياً ولا حقيقة تاريخية ولا معنى حاضراً مؤثراً لها، أفكار فارغة بائدة لا تغير من واقعنا المرير، ولا تضيف لنا شيئاً، ولا تثبت سوى غرابة ولا منطقية العقل البشري الذي هو بعد في أول مراحل تطوره بدليل الخرافية الشديدة والمضحكة والمخجلة لتفكيره. فرحان أنت بأصالة دمك؟ دمك وشحمك ولحمك لا يسوون في سوق العلم أكثر من قيمتهم العلمية البيولوجية، مثلك مثل أفقر إنسان في إفريقيا أو شرق آسيا أو جنوب أميركا، لا قيمة لدمك عن دمائهم فلس واحد زائد. وحتى نفقه هذه الحقيقة ونتصرف على أساسها، سنبقى أضحوكة العلم ومصدر استغراب واستسخاف العالم أجمع ومحور سخريته ومصدر "لوعة كبد" للقادر على رؤية الصورة الحقيقية الفقيرة لوجودنا المسكين.