الالتهاب المزمن في منتصف العمر يسرِّع التراجع المعرفي

الباحثون استندوا إلى بيانات «دراسة خطر تصلب الشرايين في المجتمعات»

نشر في 18-07-2019
آخر تحديث 18-07-2019 | 00:04
No Image Caption
استخلصت دراسة حديثة، أن الالتهاب المزمن في منتصف الحياة يسرع التراجع في قدراتنا الفكرية مع التقدم في السن.
يرتبط التقدم في السن بتراجع تدريجي في مقدراتنا التفكيرية العادية، لكن معاناة البعض تظل محدودة، في حين يصاب البعض الآخر بعجز معرفي كبير. نتيجة لذلك، يُعتبر فهم عوامل الخطر المعنية بالغ الأهمية.

نعي اليوم بعض عوامل الخطر، على سبيل المثال، يبدو أن تدني مستوى النشاط الجسدي، والتدخين، والسمنة تزيد معدل التراجع، لكن بعض العلماء حوَّل أخيراً انتباهه إلى دور الالتهاب المحتمل.

الالتهاب وعواقبه

كآلية حامية تقي من أي ضرر قد يلحق الأنسجة، يحدث الالتهاب كرد فعل تجاه عدوى أو إصابة، لكن إذا استمر الالتهاب الحاد فترات أطول (أو ما يدعوه الأطباء الالتهاب المزمن)، فقد يسبب ضرراً.

سبق أن ربط العلماء الالتهاب بمجموعة من المشاكل الصحية، من بينها الأمراض القلبية الوعائية، والسرطان، والداء السكري، والربو، لكن هل يؤدي الالتهاب دوراً أيضاً في التراجع المعرفي؟

أخيراً، قرر باحثون من جامعة جونز هوبكنز في بالتيمور معرفة الجواب عن هذا السؤال، ونشروا ما توصلوا إليه في مجلة "علم الأعصاب". وأشار كينان والكر، باحث شارك في إعداد تقرير الدراسة، إلى أن "دراسات أخرى تناولت الالتهاب المزمن وتأثيراته في دماغ المسنين"، لكن فريق البحث هذا أراد هذه المرة اكتشاف ما إذا كان الالتهاب المزمن في منتصف الحياة يؤثر في التراجع المعرفي مع التقدم في السن.

وقد استند الباحثون إلى بيانات "دراسة خطر تصلب الشرايين في المجتمعات"، التي تتبعت 12336 مشاركاً بلغ متوسط أعمارهم 57 عاماً طوال 20 سنة تقريباً.

وبغية تقييم معدلات الالتهاب في مستهل الدراسة، قاس العلماء مؤشرات حيوية عدة في الدم: الفيبرينوجين، عدد كريات الدم البيضاء، عامل فون ويلبراند، والعامل الثامن.

وهكذا، بدمجهم مقاييس مؤشرات الالتهاب المعتمدة هذه، أعطى الفريق كل مشارك علامة التهاب مركبة. وبعد ثلاث سنوات تقريباً على بدء الدراسة، قيَّموا حالة كل مشارك، بحثاً عن مؤشر آخر إلى الالتهاب: البروتين المتفاعل C.

قياس التراجع

قيَّم الباحثون قدرة كل مشارك المعرفية في مستهل الدراسة، بعد 6 إلى 9 سنوات، ومرة ثالثة في ختام الدراسة. وخلال التحليل، أخذ الفريق في الاعتبار مجموعة من العوامل التي قد تؤثر في مهارات الإنسان الفكرية، شملت مستوى التعليم والإصابة بمرض القلب أو ارتفاع ضغط الدم.

وفي ختام الدراسة، تبيَّن أن مَن واجهوا أعلى معدلات من الالتهاب المزمن في مستهل الدراسة عانوا تراجعاً أشد بنسبة 8 في المئة في القدرة المعرفية، مقارنة بمن امتلكوا معدلات الالتهاب الأدنى.

على نحو مماثل، عانى مَن حملوا أعلى معدلات من البروتين المتفاعل C تراجعاً أقوى بنسبة 12 في المئة بالمقدرات الفكرية.

وأوضح والكر أن "التغيير الإضافي في مهارات التفكير والذاكرة المرتبط بالالتهاب المزمن جاء متواضعاً عموماً، إلا أنه بدا أكبر مما لوحظ سابقاً ارتباطه بارتفاع ضغط الدم في منتصف العمر".

علاوة على ذلك، كشف الباحثون أن التراجع المعرفي تركّز خصوصاً في ذاكرة المشاركين، في حين بدا الأدنى في مناطق اللغة والتخطيط.

وأضاف والكر: "يسود الاعتقاد بأن كثيراً من العمليات التي تقود إلى التراجع في المهارات الفكرية والذاكرة يبدأ في منتصف العمر، وأن هذه العمليات قد تكون الأكثر تفاعلاً مع التدخل العلاجي في هذه المرحلة من الحياة".

سبب أم نتيجة؟

بدل القلق حيال نتائج الدراسة، يأمل معدوها أن يعتبرها الناس دعوة إلى العمل. وذكر والكر: "تُظهر نتائجنا أن الالتهاب المزمن قد يشكّل هدفاً مهماً للتدخل"، لكننا ما زلنا بحاجة إلى مزيد من البحوث قبل أن نتمكن من الاستنتاج أن الالتهاب يسبب التراجع المعرفي.

ولفت أيضاً إلى احتمال "ألا يكون الالتهاب سبب مرض الدماغ التنكسي العصبي، الذي يقود إلى التراجع المعرفي، بل هو مؤشر عليه أو حتى رد فعل ناجم عنه".

صحيح أن هذه الدراسة اعتمدت على عينة كبيرة، إلا أنها تعاني بعض النواقص. على سبيل المثال، بدا مَن عانوا أعلى معدلات الالتهاب في مستهل الدراسة أكثر ميلاً إلى الانسحاب أو الوفاة قبل الاختبارات النهائية، ما أثر قليلاً في دقة البيانات.

وذكر معدو الدراسة أنهم كانوا يستطيعون تحسين دراستهم بتقييمهم المقدرات المعرفية بانتظام أكبر وبواسطة فحوص أكثر تفصيلاً. كذلك من المفيد قيامهم بتجربة مماثلة وإضافة المزيد من مؤشرات الالتهاب الحيوية إليها.

ويشكل التراجع المعرفي والالتهاب اليوم موضعاً بارزاً في أوساط البحوث العلمية، لذلك سنحظى بمزيد من الدراسات بالتأكيد.

الدراسة تتبعت 12336 مشاركاً بلغ متوسط أعمارهم 57 عاماً طوال 20 سنة تقريباً
back to top