وجيهة عبدالرحمن: «الزفير الحار» نتاج السجن

مُنع روايتها «لالين» من التداول بذريعة محاكاتها للأديان

نشر في 12-07-2019
آخر تحديث 12-07-2019 | 00:03
الكاتبة السورية وجيهة عبدالرحمن
الكاتبة السورية وجيهة عبدالرحمن
تحفل تجربة الكاتبة السورية وجيهة عبدالرحمن، بالجمال الإنساني، وعملها السابق كباحثة اجتماعية في سجن النساء بسورية، فتح أمامها كنزاً عظيماً من حكايات القابعات خلف الأسوار، ووجدت نفسها تستثمر قصص هؤلاء النسوة في كتاباتها الإبداعية وأبرزها رواية "الزفير الحار".
عبدالرحمن، المهاجرة إلى ألمانيا، تحدثت في حوار لـ"الجريدة" عن رحلتها مع الكتابة، وعن روايتها "لالين" الممنوعة بذريعة محاكاتها للأديان، وخطتها الحالية لترويج هذا العمل الأدبي
في أوروبا.. وفيما يلي نص الحوار:
● في ضوء سنوات نشأتك الأولى، كيف تشكلت ذائقتك الإبداعية؟

- ليس أصعب من أن تجد نفسك وحيداً، رُغم كونك محاطاً بكم هائل من الناس، والأهم من ذلك إذا كنت تنتمي إلى أسرة كبيرة كما لو أنك تعيش في مركز العالم، لكنك تشعر بوحدة لا مثيل لها، فقد تبحث حينئذ عن ملاذٍ يقيك شلل الحياة دون قصص، القصص التي ستشكل نواة الآتي، الوحدة المجازية هي التي شكلت ذائقتي الإبداعية، أنا أنتمي إلى أسرة كبيرة كانت تعيش في منزل كبير، أتوسط فيها أخواتي الست صعوداً وهبوطاً، كمن يعيش في غابة كثيفة لا يعرف للخروج منها درباً، لذا كان صعباً أن ألفت انتباه أحد، فانزويت بذاتي، حاورتها مراراً أمام المرآة، أنسنتُ الموجودات من حولي لدرجة أنها أصبحت أقرب إليَّ من البشر، فيما بعد تلك الموجودات والطبيعة الحية في "ديركا حمكو" مسقط رأسي كانت كفيلة لتصنع مني حكواتية تختار للقراءة والمتعة ما سيضيف إلى تجربتها الإبداعية الكثير الذي قال عنه القراء أنها غيَّرت حياتهم.

● ماذا تعني الكتابة بالنسبة لك؟

- منذ بدأتُ أكتب قبل ثلاثة عقود لم يمض يوم دون الكتابة فيه، وإن اقتصرت الكتابة على بضعة أسطر، حقاً لا أتخيل وجودي في الحياة من دون كتابة، يسعني القول، إنها تعني أنني أتنفس ومازلت على قيد الحياة.

● تُعنى كتاباتكِ بالجانب النفسي لدى المرأة.. إلى أي مدى استفدتِ في ذلك من عملكِ سابقاً كباحثة اجتماعية ؟

- السبب في أنهن قبلنني بينهن منذ اللحظة الأولى، بالتأكيد كان بفضل كتاباتي التي عنيت على الدوام بالجانب النفسي للمرأة، فدخلت إليهن من ذلك الباب، لدرجة أصبحن فيها يتبارين في سرد الحقائق التي أخفين بعضها حتى عن المحكمة، تجارب ثمينة حظيت بها هناك، بفضل تلك الملفات السرية لحيواتهن، فيما بعد استثمرت ذلك في حياتي والكتابة.

معاناة النساء

● هل استنفدتِ كل قصص معاناة النساء في "الزفير الحار"، أم ثمة قصص أخرى ربما تضيء في نص جديد؟

- دخولي إلى سجن النساء كان من أجل مشروع كتاب عن "سيكولوجيا الجريمة عند المرأة"، المشروع أجهض بعد عدة أشهر، بسبب سجينة طلبت مني إدارة السجن حينذاك عدم الاحتكاك بها، لأسباب تتعلق بتورط بعض الضباط في قضية فساد كبيرة، لكنني سردت قصتها في "الزفير الحار" كنموذج، قصص أولئك النسوة كانت مثيرة لدرجة عدم الانفكاك عنها، لذا لم أنفك أفكر بطريقة لعرضها، فكانت "الزفير الحار" هي البيئة الملائمة لسردها، قصص النساء في مجتمعاتنا كثيرة ودائمة لذلك على القارئ انتظارها مني في كل جديد.

● يتنوع إبداعُكِ بين القصة والقصيدة والرواية... على أي أساس تحددين الجنس الأدبي لعملك ؟

- لدى كتابة القصيدة لا أستطيع تحديد اللحظة أو الفكرة، الأمر ينطبق أحياناً على القصة أيضاً، أما الرواية فهي ملعبي الذي أتحرك فيه بشغف، ولكن قبل الشروع بها لابد من تحديد الفكرة والمنهج والباقي تتكفل به الأحداث.

● ما ملابسات منع روايتك "لالين" من التداول، وكيف كان وقع عرضها في معرض هارموني ؟

- "لالين" رواية في الثالوث المقدس (الجنس والدين والسياسة) هي مفاهيم خطيرة لدى مجتمعاتنا وتصيبهم بالرعب، من هنا كانت فكرة المنع بذريعة أنها تحاكي الأديان وأنها تتضمن مقاطع جنسية تخدش الحياء العام، لذات الأسباب لم تأخذ "لالين" حظها في الانتشار، على الرغم من أهميتها لأنها لم توزع بالشكل المطلوب ولم تحظ بدعاية كافية، حتى من دار النشر. ما أشعرني بخطورتها وأهميتها في ذات الوقت، في مجتمعاتنا كل ممنوع مرغوب، ولكن "لالين" الممنوعة الكل خائف من قراءتها والكتابة عنها، الأمر مبهم جداً وفيه شيء من الغموض غير المفهوم لديّ، في معرض هارموني أيضاً لم تُعرض لتأخرها في الوصول، سأسميها الرواية المتأخرة، لكنها الآن في ألمانيا وسأحاول شق طريقها إلى القراءة من خلال جولة أوربية لتوقيعها.

● حدثيني عن ظروف انتقالك للعيش في ألمانيا، وإلى أي مدى انعكست أجواء المهجر على تجربتكِ؟

- لانتقالي إلى المهجر قصة نفي ومنفى، لم أخرج طواعية، كانت لي أسبابي التي تتعلق بحريتي، إما أن أبقى واُعتقل وأقضي ما تبقى من عمري في السجون، أو أخرج لأكتب بحرية وأعيش حياة شبه طبيعية. الكلمة مكلفة للكاتب الذي نذر قلمه للإنسانية، ولكن في المنفى أنت من يحدد المسار نحو المستقبل، أي قد تختار أن تظل رهين الماضي والأمكنة، أو توظف المنفى لخدمة أهدافك ومبادئك، وهذا ما حدث معي، فقد حوّلت هذا المكان إلى بيئة خصبة لكتابة المزيد (روايتان ومجموعة قصصية وديوان شعر)، في رواية "العبور الخامس" جسَّدتُ عبوراتي نحو المهجر، أما الرواية الأخرى ستكون قريباً بين أيدي القراء، وسأترك الحديث عنها لحين صدورها.

الجائزة تحفيز معنوي

تقول وجيهة عبدالرحمن، إن الجائزة تحفيز معنوي لإنتاج المزيد، ودعم مادي لأنني أحتاجه بالفعل، وجائزة عبدالباسط الصوفي في سورية هي الأقرب لي، لأنها كانت أهم جائزة على مستوى سورية مادياً ومعنوياً.

وتضيف استطعت بمكافأتها شراء قطعة أرض، ذات يوم ربما أعود إلى مدينة القامشلي في سورية، سأبني منزلاً صغيراً أعيش فيه بعد أن هدمت الحرب بيتي.

قصص النساء في مجتمعاتنا كثيرة وانتظروها مني في كل جديد

الرواية ملعبي ولا أتخيل وجودي في الحياة من دون كتابة
back to top