عبدالله المتقي: «قبعة غريغوري» فانتازية وعجيبة

«كاتب القصة القصيرة جداً يطلّ على العالم من ثقب الباب»

نشر في 10-07-2019
آخر تحديث 10-07-2019 | 00:03
تأخذك كتابات الأديب المغربي المبدع عبدالله المتقي إلى عالم من السحر والجمال، وعبر ومضات خاطفة تصنعها قصصه القصيرة جداً تمضي معه في طريق الدهشة كبطل من أبطال النص، أكثر من كونك مجرد قارئ عابر.
ويكفي أن تقرأ مجموعته الصادرة أخيراً في الجزائر "قبعة غريغوري"، لتدرك روعة التوليفة التي تمزج موضوعات الذات والفلسفة والسياسة وإيقاع الحياة اليومية في قالب جاذب وشائق.
وفي حوار لـ "الجريدة" يتحدث المتقي عن تجربته مع كتابة نصوص مكثفة، وصفها بأنها تطل على العالم من ثقب باب... وفيما يلي نص الحوار:
● يتنوع إبداعك بين القصة والقصة القصيرة جداً والشعر.. كيف تقرِّر أن يكون نصك أحدها؟

- دعنا نتفق على أن الكتابة مختبر وورشة للتجريب، وبالمناسبة، لا ضير في أن نكتب بأجناس متعددة، بغاية الانطلاق نحو آفاق جديدة، أن أكتب قصة قصيرة وشعراً وقصة قصيرة جداً، فلا يعدو الأمر أن يكون قدرة على التجريب، والبحث عن النص الذي لم يُكتب بعد، وهو النص الجامع ومتعدد الرؤوس، الذي يفتح نوافذه لكل الرياح، شريطة ألا يقتلعني ويعصف بي، هذا النص الواحد والمتفرد والواحد المتعدد مازلت أعدو خلفه، ثم إن هذا التعدد لن يكون سوى جمع بصيغة المفرد، ونستحضر بالمناسبة، العديد من المهووسين بالكتابة الذين كتبوا في أنواع أدبية متنوعة، بدءاً من المعري وسقط زنده شعره، ورسالة غفرانه شعراً، والتونسي إبراهيم درغوثي قصة قصيرة ورواية وقصة قصيرة جداً، وعليه، لا ضير من التعدد، والمهم أن نكتب نصاً ساحراً يفتح شهية المتلقي ويرعشه بمجموعه.

مؤلف القصص

● ما المواصفات التي يجب أن تتوافر في مؤلف القصص القصيرة جداً؟

- يجب أن يكون وجيزاً، ومتفنناً في تجويع لفظه القصصي وإشباع معانيه، لأن كتابة هذا النوع السردي لا يقبل "الشحوم"، وإلا تحوَّلت قصته إلى "كوليسترول "ضار، فإذا كان كاتب الرواية يطل على العالم من شرفة واسعة، وكاتب القصة القصيرة يطل من النافذة، فعلى القاص الوجيز جداً أن يطل على مفارقات هذا العالم من ثقب الباب، وأن تكون له عينان ذكيتان، ثم عليه أن يرشق العالم بخراطيش بدل القنابل الذرية، وحتى سرده يجب أن يكون خاطفاً وسريعاً ووامضاً، تساوقاً مع هذا العصر السريع، الذي أمسى يخترق كل الحياة من رسائل رقمية، "ساندويتشات"، وقطارات سريعة وغيرها، والأكثر منه أن هذا الإيجاز مسّ الكثير من الأجناس التي نعني بها الومضة الهايكو، والرواية القصيرة، وفن الشذرة، وختاماً، لابد من قفلة صادمة ومدهشة.

جوائز عربية

● هل تعتقد أن تخصيص جوائز عربية قد يسهم في رواجها أكثر؟

- لا تكفي الجوائز وحدها لرواج القصة القصيرة جدا، كما أن الجوائز لا تصنع قاصاً وجيزاً، بل ينبغي أيضاً إدماج هذا السرد الوامض في المناهج المدرسية والجامعية، وكذا تقديم الدعم المادي لملتقياته، والورش الخاصة به، وتحفيز دور النشر لتعبّد الطريق لإصدار القصص القصيرة جداً ورقيّاً ورقمياً، ولا يسقط منا، مساهمة الدرس النقدي وتجديد أدواته لملامستها ومقاربتها.

● في "قبعة غريغوري" التناغم بين الذات والفلسفة والسياسة والحياة اليومية، كيف صنعت هذه التوليفة؟

- أولاً، أشكر دار "بوهيما" الجزائرية في شخص مديرها بكر حمادي الذي أصدر المجموعة في حلّة قشيبة، وهذا يعني تحقيق حلم مغاربي قصصي، أما بخصوص هذه التوليفة، التي لا تعدو أن تكون موسيقى قصصية، فرغم تعدد الآلات الموسيقية، يكون اللحن واحداً، فقط، من اللازم الحفاظ على فيض الدهشة، ثم إن هذا التعدد في الثيمات والموضوعات تحيل على الفوضى المنظمة للذات، هذه الفوضى تحيل على أن الكتابة أولاً وأخيراً هي تشظية لذات الكاتب، ثم أليست الكتابة ترجمة للجسد واللاوعي والرغبة؟ وبالتالي هي تحوير لما يمكن توصيله إلى ما يمكن توصيله، كما يرى الناقد المغربي أحمد فرشوخ.

● ألم تخش أن تصيبك سهام النقاد؟

- أنا أكتب جنوني المعقلن، ولا أخشى أياً كان، سوى خيانة اختياراتي وقناعاتي، فأنا لم أعتد على أحد، ولم أسلك طريقاً محفوفة بالأخطاء، أنا فضحت الخيانة التي أمست متفشية بشكل مريع، وهذا من واجبي، لأن الكتابة شهادة وقد تتحوَّل إلى استشهاد في مجتمعات منغلقة ومتزمتة ومنافقة، وتمشي على أراض بوجوه متعددة لوجه واحد.

4 تجارب قصصية

● نصوص كثيرة تتحدث عن الموت، ماذا تقصد من الاختلاط بين الموت بالحياة؟

- بعد 3 تجارب قصصية قصيرة ووجيزة جداً (الكرسي الأزرق، وقليل من الملائكة، ولسان الأخرس) أحببتُ أن تكون "قبعة غريغوري" فانتازية وعجيبة، تغري القارئ بالدخول إلى عوالمها السردية الكافكاوية، وتتصارع فيها القوى غير الطبيعية واللامعقولة مع الواقع الإنساني، وقد تجلّى الجانب العجائبي في شخصيات القبعة بعالمها الغريب، وأماكنها المتنوعة التي لم تعد يابسة وتقليدية، وبذلك لا غرابة أن يعود الميت إلى الحياة، وبطريقة عجائبية. وتدعو المتلقي إلى بذل جهد كبير لفهم انزياحاتها وفك رموزها وشفراتها، عبر تجاوز المألوف وتوريطه في الخارق.

المرآة بطلٌ

قال المتقي: «للمرايا في حياتي قصص كثيرة، ومعان متعددة، بدأت علاقتي بها حين اكتشفت أن المرايا تضحك إن ضحكت، وتبكي إن بكيت، أما إن حاولت الاعتداء عليها تجرحك، وعليه كانت المرايا صديقتي، أراني فيها أنا الهارب مني، أرى حياة أخرى وواقعاً آخر، وتفاصيل أخرى لا تعني سوى جنوني، جنوني المعقلن، وغريب أن الكثير من الناس لا يصابون بالجنون أبداً، ويا لها من حياةٍ مُريعة، تلك التي يعيشونها، حسب تشارلز بوكوفسكي».

كتابة هذا النوع السردي لا تقبل "الشحوم" وإلا تحوَّلت قصته إلى "كوليسترول" ضار

أكتب جنوني المعقلن وأبحث عن النص الذي لم يُكتب بعد
back to top